حين أدخل إلى موضوع ، لابد وأن يكون لي معين من تجربة ، أو معين من ثقافة تمنحني الولوج إلى هذا المبحث ، لا أدري لماذا أردت أن أكتب عن الجن .. تذكرت صاحبي وصديقي وجاري في الصفحة الأخرى من هذه الجريدة الكاتب والروائي عبدالله بن بخيت .. وهو الذي كتب أعمالاً كثيرة بشكل احترافي جميل دون ادعاء المعرفة ، ولكنه أقرب ما يكون إلى حرفية التناول الذي
يرغب أن يوصل الفكرة إلى القارئ الذي يستمتع بقصص الجن وهذا الشأن الأسطوري الذي يمنح هذه المخلوقات رغم إقرارها في الدين الإسلامي دون مواربة شكلاً شعبياً خاصاً.
لكن الجانب الشعبي في هذه المسألة يصل إلى حد الفن أو إلى حد أن تخلق الكثير من الأبطال والذين يمكن للكاتب المتمكن من أدواته أن يخلق البطل وهذا البطل … الذي يمكن له أن يتجاوز المألوف وأن يتجاوز المسألة الطبيعية للإنسان ، إذاً فلا مفر من أن نستعين بالجن لأن لهم مقدرة عجيبة غير مقدرة الإنسان وأعتقد أن هذا التوجه الفني إذا كان قادراً على أن يمرر من خلال هذه الشخصية التي لا يمكن مقاضاتها إنسانياً أو منطقياً فإن الوصول إلى الهدف المراد سوف يكون أسهل إمكانية وأكثر ذكاءً مما يمكن للكاتب أن يقوله عن هذا البطل على هيئة الانسان
لأن هذا البطل بفعله الإنساني يظل محدود الإمكانية محدود القدرات .. ومحدود التجاوز والوصول إلى المبتغى. إذاً سوف استميح صديقي وجاري عبدالله بن بخيت العذر لأهرب إلى الجنوب حيث هذه الشخصيات التي تعتمد على ذاكرة الجن المرتبطة بالبيوت المهجورة والخرابات والأماكن الموحشة لتبرز كمسرح رائع لتناول الأحداث دون السقوط في المباشرة بل إنها أي هذه المخلوقات سوف تمنحك حرية أكبر
أذكر في طفولتي ونحن نلعب في الحارات ألعاباً مختلفة رغم أن محدثكم لم يكن مثل الأطفال الآخرين .. لأنه كان مريضاً بالقلب منذ نعومة بطينه الأيمن والأيسر لكن الجن كان حاضراً في تفاصيل الحكايات
وأذكر أننا كنا نأخذ ورقة ثم نأخذ قليلاً من الرمل مايمكنه أن يثبت على الورق ثم نمرر قطعة مغناطيس تحت الورقة فإذا بكثير من جزيئات الرمل تقف بشكل طولي لنطلق عليها وبصوت واحد مسمى (شعر الجن )
وكنا نلعب لعبة يطلقون عليها في (أبها)(الزقرة) وهي عبارة عن لعبة تلعب بخمسة من الحجارة الصغيرة .. ولا أعرف مسمياتها في المدن الأخرى ولكي يظهر الجانب الأسطوري أو الذاكرة الشعبية بأن هناك لعبة أخرى يطلقون عليها (زقرة الجن ) وتلعب بضعف العدد ، بل إن الذاكرة الشعبية الرائعة وصلت إلى أن تطلق على كل حجرين مسمى جديداً (مي ، ميين ، قرقر ، تفكر ، وفاالله بالعشر ) وكأني بهذه المسميات العجيبة تؤكد هذا الجانب الأسطوري
إن الولوج إلى هذه الذاكرة الشعبية واستخراج الكثير من معانيها تدل دلالة رائعة على ما تملكه هذه الذاكرة من قدرة فنية عالية للوصول إلى معان تصل إلى المبهم وكأن استعمال الجن يمنحك السهولة بأن تقول عبره ما لا تستطيع أن تبوح به عبر الإنسان أو أن أهمس لابن بخيت عن سؤال يجوس في الخاطر هل جن الجنوب يختلفون عن جن نجد ؟
وسلامتكم

0 تعليق