بعد أن منّ عليّ المولى عز وجل بنعمة التقاعد التي لا يراها الموظف.. وبعد أن أصبح الليل والنهار أعرض مما كنت أظن.. صحوت بعد فترة لا بأس بها من الزمن بعد أن سمعت كلمة أن التقاعد ليس نهاية المطاف مئات المرات وكأن النظرات تعزيك في فقد المنصب الرفعع الشأن وعبارات العزاء التي تأخذ شكل النصيحة مرة، وشكل الخبرة تارة أخرى.
– يا أخي الوظيفة كرسي حلاق!! يا للتعبير الرمزي الثري بالواقعية!
– يا أخي لو دامت لغيرك، ماوصلت إليك.
بعدها تحسست وجهي.. قدرتي على التفكير فإذا بكل شيء ولله الحمد والمنة بخير (مية مية).
هدأت من جانب آخر الاتصالات ألا وهو الاتصال الهاتفي سواء عبر الثابت أو الجوال..
والواضح أن معظم الربع مثل صحبة التركي «على ركبته» طالما هو جالس فهو معك إذا قام طاحت.
يا ولد ما دام إنك بخير وقادر على كسب العيش الحلال فلماذا لا تبدأ من الصفر؟
تم تكوين لجنة من السيدة الأولى والأولاد والبنات ولم يعكر انسيابية قرارات اللجنة الموقرة سوى بعض الصراخ من الغرف المجاورة أو صوت أفلام الكرتون المرتفعة «ما لكم بالطويلة» أفرزت قرارات اللجنة عن الآتي.
– نظراً لأن السيارة تمثل مشكلة أساسية فيجب أن يكون مشروع العمل المنتظر من داخل منازلهم وخفت ألا يذهب خيالهم إلى مسألة المطبخ التي لا أتقنها فرفضت بكل إباء وشمم واتضح تسرعي في معرفة أهدافهم النبيلة.
– طرحت مسألة محل خضروات وأن الخسارة لن تكون واردة بعد أن نضمن الخضار للبيت إذا لم يتح نجاح الفكرة، صادف ولله الحمد أن تيسر الموقع والذي هو عبارة عن دكان فتحة واحدة لا يكلفني سوى السير على الأقدام.
تم الافتتاح وقد تبادر إلى الذهن أن أقوم بدعوة عضو المجلس البلدي الذي قمت بانتخابه ولكن اللجنة الموقرة التي هي في حالة انعقاد دائم رفضت الفكرة طموحاً لعمل يستحق هذه الدعوة فرضخت لرأي اللجنة تمشياً مع الديمقراطية الجديدة في اللجان المنزلية.
تم الافتتاح وسيارات الأخوة «البناغلة» تأتي في الصباح وتستلم المقابل وأخوكم يرش الماء على الخضروات لكي يبدو وكأنها داخل المزرعة.. مر أسبوع والحالة لا تبشر بخير ورفع شعار «الصبر طيب» عندما ذهبت في اليوم التالي وجدت خندقاً عظيماً يحفر من زاوية دكاني إلى آخر الشارع.. سألت عمال الحفر… سوف تستمر لمدة شهر أو شهرين. اضطررت لغلق الدكان لأن الزبون لن يكلف نفسه العناء على تجاوز الخندق العظيم لشراء حزمة بقدونس.
مرت الأشهر وبقي لي من إيجار الدكان ستة أشهر.. انتهى الشارع.. عاودت البث الأخضر من جديد وبمباركة اللجنة المنعقدة.. كان الأسبوع حافلاً ونسبة الربح بدأت بعد أن قمت بشراء دراجة نارية تسحب وراءها ما يمكن أن يحمل عليه من أكياس الخضرة والفاكهة لتوصيلها بالمجان إلى المنازل.
تعلمت أن المشاريع العظيمة تبدأ من الصفر وخصوصاً وأنت تشاهد ذكريات الكثير من رجال الأعمال تملأ صفحات الجرائد مثالاً ناصعاً على الكفاح.
بلا سابق إنذار بدأ حفر خندق آخر في منتصف الشارع هذه المرة لانفجار أنبوب المياه التي تسربت في الحارة كلها وهذا سوف يتطلب وقتاً لا بأس به، قررت اللجنة بكامل وعيها الانسحاب من المشروع والحديث عنه بصفة التجربة وليس بصفة الفشل.
والحياة تبدأ من الصفر وتنتهى إليه.

0 تعليق