لن يولد هذا المثل الشعبي الا في حالة إحساس بالجوع الجارف، لن يبصر هذا المثل الواقعي الا في مأزق ما نسميه الفقر والعوز والحاجة لكنه ولد وأبصر النور بل ظل مخلوقاً كريها يسير على قدميه، ينتعل الوجوه، يمسح الألسنة من مواقعها يبعث الإظلام في العيون التي تشتهي الشمس والشروق ورائحة نمو وأنفاس صبح يُشعر الإنسان بالجدوى، يخلق فيه روح التحدي
ضد الطبيعة التي انتصر عليها في أكثر من موقعة وعلى مدى هذا التاريخ الذي يملأ بطون هذه الكتب، والتي يعلم الله سرها ومدى صدقها ومن الذي كتبها هل هو المؤرخ النقي أم المؤرح المأجور الذي كتبها ، هل هو المؤرخ الذي يتأرجح، البُشرى لنا جميعاً فهم على مدى هذا العمر اقصد عمر البشرية يتكاثرون، يتناسلون كلّ بما يملك من غنى الروح أو فقرها ، من سعة الفؤاد أو ضيقه ، من العز الذي يلبس روح السراب أو الحاجة التي تلفح الوجه فتغير ألوانه ليكون ذلك السواد الذي ينبع من القلب وليس سواد الجلد الذي نعرفه،
لا أدري لماذا استفزني هذا المثل الشعبي الذي سمعت به مئات المرات ورددته مئات المرات لكنه كان أشبه بطائر يمرق أمام بصري في لحظة غروب الشمس ليدخل في ملكوت العتمة ثم يعاود المرة تلو الأخرى لأضربه مثلاً لكنه يمارس الغواية نفسها، ويترك الأثر الذي يلمس الجرح ولايسأل عن النصل ، يرثي الحزن الذي يكسو الوجه المبتسم ببكاء لاتصله الأعين المشغولة بالسفر والعشق، الاعين التي تصهل كل حين للوصول الى مبتغى لاتدركه ، وسباق لاينتهى وأقدام لاتتوقف عن السير إلا أنها لم تعلم ولو للحظة أنها كان تدور أشبه ما يكون بجمل المعصرهة، ذلك الجمل المملوء بقطع المسافة وفي داخله تنمو جدايل النخل المرتجى رهبة الوصول الى عمق الصحراء حيث تنمو زهرة الخزامى، ذلك الجمل الذي أغمضت الأصابع عينيه يأكل ويسير ويشرب ويسير ثم يأكل ويشرب ثم لايصل.
هل هذه الأمثله التي نرددها بغباء دائم للحظة اتهام ظرفية ثم نعلقها على الجدار تتحدث عن أحلامنا عن السقوط اليومي للإنسان في لحظة صراعه ليس مع الطبيعة فالإنسان استطاع ويستطيع أن يخلق في صراعه مع الطبيعة قانوناً قد يطلق عليه التجديد والكشف والاختراع، حينها تأخذ الطبيعة صيرورتها الدائمة لانها وجدت من اكتشفها ومن قام بتحديها لتثمر صراعاً آخر.
الطبيعة بكل ما أوتيت من قوة لاتهزم الإنسان، الطبيعة لاتخلق الفقر والحاجة والعوز والظلام ،، الطبيعة بشكلها المجرد هي روح الحياة والغنى والعطاء المشع، الذي يهزم الإنسان هو هذا الإنسان الآخر الذي يملكه كل منا في داخل الآخرين هو الذي يخلق الفقر بغناه الذي لايُحد ، بتلك الوحشية التي تنمو في داخلنا.
للمرة الأولى أقف أمام هذا المثل المغرق في وضوحه والمغرق في غموضه، كتبت قبل أن يصبح الطائر الذي يمرق أمام العين في لحظة دخوله لملكوت العتمة..
وهني مَن أمه الخبازة!!

0 تعليق