وللمرة الثانية ومنذ عشرين سنة كتبتُ هذا العنوان في هذه الجريدة يوم كانت زاوية (غرابيل) يتناوب على كتابتها مجموعة من الكتّاب وكان في مقدمتهم (فوزان الدبيبي) رحمه الله، ويوسف الكويليت، وسلطان البازعي، وتركي الناصر السديري، والعبدالفقير إلى الله وليغفر لي الأصدقاء الذين نسيت أسماءهم وذلك بفعل السن والبياض الذي غزا الذاكرة قبل الشعر فلهم مني المحبة والود.
وأذكر أن الدكتور محمد عبده يماني وزير الإعلام في حينه وأروع من كان يحدب ويرعى ويسأل عن الكُتَّاب والمثقفين والمبدعين بحس صادق وبأبوة ترتفع في معانيها لتصل إلى شأو بعيد دون مجاملة أو رياء، أذكر حينها عندما نشر المقال أنه مازحني قائلاً: آمل أن لا تكون تقصد أحمد القحطاني – سفيرنا في قطر حالياً – وكان مديراً لمكتب معاليه في تلك الفترة ..هي مسألة دقيقة جداً وتملك من الحساسية قدراً كبيراً وليس ذلك تعميماً على الجميع، ولكن تجربتي الشخصية أوضحت لي هذه الصفة والتي تستطيع أن تحسن صورة معاليه أياً كان معاليه أو أن تساهم في تشويه هذه الصورة دون علمه فمعاليه لن يفطن إلى الكثير من المواضيع التي تعرض عليه أو تستلزم توقيعه أو مصادقته إلا عبر كلمات قليلة لكنها مؤثرة من مدير مكتبه وهو بفعل العمل الوظيفي لابد أن يركن إلى شرحه أو تجربته ومن هنا يأتي مسمى معالي مدير المكتب فهو الذي علاوة على الشيء المكتوب الذي يمكن لمعاليه الحقيقي أن يحاسب عليه هناك يسمى بالرأي الشفهي والذي يطلعه معالي مدير المكتب بشأن فكرة ما أو موظف ما ويحرص على تكرارها مراراً راسماً للموضوع في ذهن معاليه صورة زائفة، أو سلبية أو حتى دفاعية تتمحور على مركزه الخاص هذا الذي يعلم كل الأسرار والأوامر والنواهي والتي تصبغ هذه الوظيفة بسحر خاص، فهو – أي معالي مدير المكتب – يفهم في الأنظمة جميعها أو هكذا يُشعر معاليه وهو الذي يعرف سيرة كل موظف في الوزارة وهو القادر على إيصال هذه الصورة سلباً أو إيجاباً وحسب المحبة والكراهية.
معالي مدير المكتب سوف يقوم بالاعتذار عن معاليه في أكثر من شأن ولأكثر من شخص تحت شعار أن معاليه مشغول جداً بالعمل والاستقبال والتوديع وحفلات المجاملات اليومية .. معالي مدير المكتب يستطيع أن يرد كل فكرة إيجابية أو هو يحاول أن يوحي للجهة المعنية أن هذا الرأي يناقض النظام وأنه لابد من مرور وقت طويل لتعديل هذا النظام أو تغييره وكأن هذا النظام نص مقدس لا يأتيه الباطل ..
هذا الكلام قلته قبل سنين وكنت أظن أن ذلك سوف يكون له رجع أثر ولكن ولله الحمد فإن ثباتنا على هذا النهج تكرّس وأخذ فلسفة تؤكد ديمومته.
والله لا يغيّر علينا وسلامتكم.

0 تعليق