رحيل علوان “الحكاية تبدأ هكذا”..!

5 نوفمبر، 2023 | تأبين | 0 تعليقات

يؤلمني اختصار سيرة الكبار من مؤسسي الحركة الثقافية والإعلامية وداعميها، ونسيانهم، ثم تذكرهم بصورة مختصرة، وأخبار تكتب على عجل، ولمدة أيام، ثم تُطوى.
وما يحدث اليوم مع أستاذنا، ومن أخذ بيدنا، الأديب الراحل الأستاذ محمد علوان، حدث مع عدد كبير ممن أفنوا حياتهم في خدمة هذا الوطن عبر ما يحسنون، وماتوا وفي أنفسهم حسرة من التجاهل والنسيان، وقد منعتهم عزة أنفسهم من طرق باب هذا أو ذاك، أو مهاتفة هذا أو ذاك..
بل كانوا على عهد الوفاء مع قلةٍ من المبدعين الذين يحفظون ودهم، ولا يتنكرون لمعروفهم، عبر زيارات أو اتصالات متقطعة يبثون فيها حنينهم وشكواهم، وقد تعبت قلوبهم من الركض الجميل.
لم يكن صاحب “الخبز والصمت” و”الحكاية تبدأ هكذا” القادم من الجنوب، المحافظ على هويته، المتوازن في طرحه، الجميل في خلقه، النبيل مع الجميع، مجرد قاصٍّ رائدٍ مبدع، وكاتبٍ مميز، بل كان مدرسة إبداعية، ومؤسسة ثقافية إعلامية، حين عمل كفردٍ ما عجزت عنه مؤسسات ثقافية وإعلامية.
لقد أشرف أستاذنا الراحل على الصفحات الثقافية في كل من الرياض واليمامة وكان رفيقه الدائم حينها، وصاحب عمره، أستاذنا الأديب والمثقف الفذ عبدالكريم العودة أطال الله في عمره، وكان ينشر للشباب وأنا منهم بحب، وهو في عز شبابه، ولا أنسى بعد مغربِ اليوم الذي سلمته بيدي قصيدة للشاعرة المتفردة المبدعة خديجة يوسف العمري، وقصيدة لي، أمام مبنى جريدة الرياض القديم، تحت جسر الخليج، حيث نزل من مكتبه، واستقبلني، وقال لي: إذاً أنت هو محمد الحربي بابتسامته وضحكته المعهودة التي يعرفها أحبابه، فيا لقمة التواضع والنبل والحب..
واستمرت هذه الحكاية إلى قبل فجيعتنا بغيابه بأشهر، حيث هاتفني مطمئنا على وضعي ووضع بيتي، وكانت المكالمات بيننا لا تنقطع ظهراً، أو ليلاً تتخللها ضحكاته ونكاته وتعليقاته الساخرة، وسؤاله الدائم عن خديجة يوسف العمري وأحوالها.
كما تدرج في وظيفته في وزارة الإعلام/ الإعلام الداخلي إلى أن أصبح وكيلاً للوزارة للإعلام الداخلي، بعد أن شغل منصب مدير إدارة رقابة المطبوعات، خلفاً لأبي مصعب الأستاذ عبدالرحمن الراشد أحد أطيب وأنبل الرجال الذين عرفت في وزارة الإعلام، وفي الوسط الثقافي.
وسبحان من خلق التشابه، فكلاهما ملك سياسة الباب المفتوح، والتواضع، وتيسير أمور المراجعين، وإنجاز معاملاتهم، خارج أطر الروتين المميت الذي كان يشل الوزارة آنذاك.
وكلاء وزارة لم يغرهم المنصب، ورغم وجود أكثر من سكرتير لكل منهما، فلم يكن أحدهما يرضى بحجب مراجع، أو معاملة مراجع.
لقد كان فضل محمد علي علوان عليَّ كبيراً، لقد ساعدني في تشكّلي الأول، ويسر لي أمر الحصول على تراخيصي الإعلامية لمكتبي “أعراف الرياض” فاختصر لي أشهر طويلة من المراجعة والمعاناة، التي كانت تتطلبه حينها.
كما كان سبب ذهابنا إلى بغداد في عام 1983 لمهرجان الأمة الشعري للشباب، حيث جمعنا بالملحق الثقافي العراقي..
كان حبيبنا في منصب مهم في الوزارة ساعدنا عبره على فسح كتبنا، التي لم يكن فيها ما يُمنع، لكنه تجاوز جهل الرقيب الإعلامي لدى الموظفين آنذاك، كما كان يسهل دخول الكتب للمثقفين عبر منافذ الدخول للمملكة.. فلولاه بعد الله لكنا على جهلنا في تلك المرحلة التي كان فيها الكتاب المصدر الأول للمعرفة.
ونحن لا يمكننا أن نحصيَ كم ساعد علوان من مثقفين، وكم ساند من مبتدئين وهواة، وكم ذلل من الصعاب أمام المراجعين من مختلف أنحاء المملكة لذلك المبنى “رقابة المطبوعات”، أو لتلك الجريدة، والمجلة..!
هذا غيضٌ من فيض.. وإلا فإن كتاباً، أو روايةً لا تكفي لسرد السيرة العطرة لهذا الرجل/الظاهرة.
محمد علي علوان لم يكن قاصاً فحسب.. بل كان جمعاً في فرد متميزاً محباً لدينه ووطنه وأهله.
وكان نموذجاً للمثقف الذي وضع نفسه مثالاً، فأغرى كثيراً من شباب المملكة بشكل عام، وشباب الجنوب بشكل خاص، الذين احتذوا حذوه فأصبحوا روائيين وكتاباً معروفين على مستوى العالم العربي.. ومنهم من أصبح عالمياً.
ومما يذكر له وقوفه مع صاحبه وحبيبه أبي بكر سالم بلفقيه الفنان/الظاهرة أيضاً في مرضه، بعد عشرةِ عمر طويلة.
رحمك الله يا من كنت ترحم الناس وتعينهم يا صاحبي الذي لا يموت ذكره ولا عطره.
اللهم اغفر لصاحبي وارحمه، وأسكنه فسيح الجنان.
اللهم آمين.

محمد جبر الحربي


المصدر: تويتر

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *