
«قل للغياب نقصتني وأنا حضرت لأكملك»
بهذه الشذرة الشعرية المهيبة اختزل الشاعر محمود درويش دراما الحياة والموت.
ويالها من دراما ،حين يكون الحضور هو النقص الذي يكتمل به الغياب!
ويوم الجمعة الماضية حدث تماما هذا الغياب الرهيب فقد انتقل إلي رحمة الله الأستاذ القاص والكاتب محمد علوان …صعقنا جميعا نحن اصدقاؤه واقرباؤه واحباؤه وقراؤه برحيله ..
وإنها لمفارقة غامضة في أن الهواجس المبهمة والأسئلة البكماء تصر على أن تبتزنا بتأنيب الضمير ونحن في حمأة النعي ودوار العزاء لفقد عزيز غالٍ علينا كنا نود لو كان له منا ما نود لكن ذلك لم يكن!
فماذا عساني أقول في الصديق أبي غسان؟وكيف لي أن اقول؟وجمرات الكلمات أمام الموت مطفأة مهما اتقدت وقبلي حاول كثيرون من عظماء الكتاب والشعراء أن يوقدوا حريقا ليبلغوا بها وهج ما شاؤوا قوله ولم يفلحوا .. وقد حاول الشاعر أبو القاسم الشابي ذلك فارتج عليه ولم يجد ما يقوله سوى:
(نحن نتلو رواية الموت للكون
ولكن ماذا ختام الرواية)
وحتما الله وحده يعلم ختام الرواية، اما أنا فأعلم أن كلماتي تتحشرج وحروفي تتلعثم لكيلا أقول عن ابي غسان (كان)، فكم هي مسرفة في قسوتها هذه (الكان) إنما مع الموت لا مناص منها ، فما كان بين أبي غسان وبيني عمر من الصداقة والزمالة في صفحات ثقافة اليمامة وجريدة الرياض ولقاءات في منازلنا ومنازل الأصدقاء.. ومذ عرفته لفت انتباهي بطيبته وحساسيته المفرطه وفي الوقت نفسه ميل للدعابة ،ورغم أنه قضى معظم عمره في الرياض إلا أنه ظل مسكونا بعوالم قريته الجنوبيه لكنك حين تلقاه وتتحدث معه ستجد فيه ولعا نزيها بالوطن حتى أنه ثابر على نشر ما يكتبه حيث كتب في زاويته التي أسماها (لذاكرة الوطن).
لكن مع ذلك كان أبو غسان رهين عشق عالمه القصصي ، وكان له فيه ريادة مشهودة وكان منذ بدايته متسقا مع المسار الفني للحداثة مع نفور من الوعورة في الاسلوب أو المكابرة في اصطناع المواضيع وقد حظي بحضور مميز منذ صدور مجموعته القصصية الأولى (الخبز والصمت) التي شكلت قاسما مشتركا في القراءة والتلمذة بين الأجيال الشابه من كتاب القصة القصيرة في المملكة.
وعلى نحو آخر كان أبو غسان فى السنوات التي أشرف فيها على الصفحات الثقافية حريصا على الجودة والنوعية والتنوع في النشر.
وكان في الوقت نفسه مبادرا في دعم الأقلام الجديدة والتحمس لكل من توسم فيه ابداعا وما خاب توسمه .
كذلك لعب أبو غسان من خلال عمله في إدارة المطبوعات بوزارة الإعلام دورا شديد الأهمية في فسح الكتير من الكتب المستنيرة التي أثرت المكتبات في زمن كانت تطلس فيه صفحات المجلات وأغلفتها باللون الاسود !وبعد ..
لا أملك إلا العزاء لزوجته وأبنائه والأقارب وكل الاصدقاء.. ورحمك الله يا أبا غسان رحمة واسعه.
صالح الشهوان
المصدر: مجلة اليمامة

0 تعليق