
التقيت الصديق المبدع محمد علوان قبل أن ألتقيه وذلك من خلال نحول وفراشات قصصه التي كانت تحط طلعاتها الأولى في بعض الملاحق الثقافية/ مجلة اليمامة ومجلة اقرأ وملحق المربد الثقافي لجريدة اليوم… فكانت تدير رأسي باتجاه البيادر، ثم التقيته وجها لوجه لا ليس وجها لوجه تماما، فقد كنت للتو قد عدت من دراستي الجامعية بأمريكا وللتو سكنت الرياض عروسا جديدة وكان شريك حياتي وقتها السيد حسين العقبي وأبو طفول وغسان وسرب من أبنائه حاليا يحس بفرحة عودتي للسكنى بمسقط رأسي ومرابع أجدادي بعد بعد طويل ولكنه يحس أيضا بتحرقي وتطلعي للبحث في الرياض والعمل للرياض لتكون فضاء ثقافيا فأخذني ذات عصرية من يدي إلى مكتبة دار العلوم التي كان قد أسسها أ. عبد الله العوهلي -رحمه الله- لأرى بعيني إرهاصات العصرنة الثقافية على أرض وطني متمثلة في دار العلوم وروادها ومقتنياتها من أحدث كتب الثقافة الحديثة.
وهناك كان لقائي الثاني والثالث معا بالمبدع محمد علوان، لم نلتق لحسن الطالع بكتابه الآسر \»الخبز والصمت\» بمقدمته الجميلة بقلم الروائي الكبير يحيا حقي صاحب قنديل أم هشام طليعة الرواية العربية، فقط بل التقينا أيضا بشاب حيي وحيوي كان يجلس هناك حيث أشار لنا الأستاذ العوهلي وهو يرى دهشتنا بعنوان مجموعة الخبز والصمت، بأن هذا هو الكاتب، ومن يومها إلى يوم الأحد الماضي وما حييت قامت بيننا صداقة قلم ومكارم تقطر طهرا وصدقا في بعدها الأسري وفي بعدها الإنساني والإبداعي.
عرفت محمد مبدعا يحيا ويحيي من حوله بحبر الإبداع ،فالحبر بالنسبة لمحمد علوان كان معادلا لسر كوني اسمه إكسير الحياة، كان الحبر لمحمد علوان رحيق الحياة وكان ماء السماء وماء الورد وماء الروح وكان حبر محمد حرا كالعسل الحر المستقى من جبال السروات حيث عاش طفلا ويافعا ومن مياه نجد الجوفية حيث التحق بجامعة الملك سعود وبنى موقعه المهني في وزارة الإعلام وبنى مستقبله الأسري بسرب من البنات والأبناء النجباء (غسان ميسون لميس حسان وشذا) مع شريكة حياته المتعلمة المثقفة الرؤوم فايزة المعلمي، وهيأ لموهبته الأدبية بعصامية مدهشة فضاء ثقافيا رحبا يتسع لكل أطياف المعرفة وأصحابها وبالكاد يتسع لوحدته الإبداعية الفارهة.
في مسيرة المبدع محمد علوان نستطيع تتبع مسيرة الأدب الحديث بالمملكة العربية السعودية والوقوف على مد وجزر الحركة الثقافية وخاصة تلك التي يمثلها جيل نهاية السبعينيات الميلادي وبداية الثمانينيات مثلي ومثله. بما يمثله عدد من رموزنا الثقافية اليوم الذين كانوا في أول ميوعة الصبا أو في شرخ الشباب حينها، ومن مؤشرات ذلك التمثيل انخراط محمد علوان بجانب كتابته الإبداعية في القصة القصيرة ومثابرته على تطورها وحضورها على الساحة الثقافية على أرضنا عدة، عقود انتظامه في كتابة الرأي منذ وقت مبكر وكتابته لعمود صحفي أسبوعي في عدد من المطبوعات الثقافية أو صفحات الرأي بالصحف المحلية اليمامة الرياض الجزيرة اليوم عكاظ الوطن وسواها، وقد كان حفيا في هذه الكتابات بتقديم رأي مستنير في العديد من القضايا التي تشغل المجتمع أو تشكل معاناة إنسانية أو اجتماعية وكثيرا ما كان يكتب هذه المقالات بقصد بناء وأحيانا بروح ساخرة مثل مقال يحضرني الآن وكان عنوانه «كيف تقلب نظام في سبعة أيام». كان شريكا أيضا في تأسيس مجلة النص الجديد مع الشاعر علي الدميني وعبد الله الخشرمي وثلة من الأكاديميين والنقاد والشعراء والأدباء في محاولة لفك اختناقات الساحة الثقافية وقتها بعد أن كادت تطبق على أعناق الأدب الحديث وصحبه في النصف الثاني من الثمانينيات، وقد كان مؤسسا بالمؤازرة كما كان بشكل مباشر أحد أعضاء هيئة التحرير مع عدد من الزملاء والزميلات، ولم يكن في وظيفته في الإعلام إلا حليفا للكلمة الحرة ما استطاع لذلك سبيلا، فلم يكن يعمل في عمله الرقابي على الكتب الأدبية والمطبوعات إلا بروح إبداعية مغلبا لها على الجمود البيروقراطي الذي تداري به هذه الأعمال عادة، وحين ترك الوظيفة لم يكن متأسيا ولا صاحب شكوى من التناسي أو النسيان كعادة الكثير من الموظفين وخاصة الكبار عندما ينفض حولهم من لم يكن ودهم بل ود المراكز، فيبدو أن الأديب محمد علوان وجد في حله من العبء الوظيفي حرية مشتهاة للتفرغ لعامودين من أعمدة حياته إبداعه وعلاقته بأسرته وبالأصدقاء، فكان يتفقد دوريا البعيد والقريب من الأهل والأصدقاء يسأل ويساند، عاد لكتبه ولكتاباته يقرأ ويقرأ ويقرأ بنهم صبي تواق ويكتب ويكتب ويكتب بهمة الشباب وبابل العشاق.
كتبت هذه الكلمة والعبرات تخنقني بين عبارة وعبارة، فجرح فقد محمد علوان صباح الخميس وكان بيننا محادثة يانعة مشحونة بالحوار لا يزال حارا إلا أن وفاء الشاعر عبد الله الصيخان وإصراره على تقديم ملف بمجلة اليمامة يرمز لمكانة محمد علوان في ريادة السرد القصصي الحديث ولمكانته في الوطن والوجدان جعلني أنثني على ألمي وأكتب هذه المقطوعة المجتزئة من كتاب مشترك الذاكرة الذاخر، وأختم بهذه التغريدة التي أخال أنها مطلع لقصيدة جديدة اسمها محمد علوان:
هل حقا رحلت عن أرض كتبتها بزعفران دمك ثروات وبحر ظل ولظى ونخل شامخ، أقحوانا وقمحا حنونا، هل حقا رحلت عن أرض سقيتها قراحا وسلسبيل، لثمت بروق سمواتها وبحبر الروح صنت عهود عشقها المستحيل، ولعل محمد علوان، كما قالت رفيقتك فايزة المعلمي وأنا أبكي صداقتك الطاهرة لأربعين عاما: محمد لا يموت بل ذهب في استراحة محارب إلى دار الخلود -بإذن الله-.
رائد السرد القصصي الحديث صاحب الخبز والصمت ،طائر العشا، الحكاية تبدأ هكذا وغيرها كثير
من كتب أبها المدينة وأبهى وطن.
قال عنه د. منصور الحازمي وكان أستاذه في الأدب العربي: محمد بدأ إبداعه الحديث قبل الجامعة وجاء نجما جاهزا من ذرى الجنوب لحجر اليمامة.
عزائي لأسرته ولوطننا وللثقافة ولنفسي وأسرتي.
إلى جنة الخلد محمد علي علوان.
د. فوزية أبو خالد
المصدر: مجلة اليمامة

0 تعليق