رحيل رائد القص الحديث

12 أكتوبر، 2023 | تأبين | 0 تعليقات

محمد علوان وداعاً..

وجوه غائبة – صادق الشعلان

خيّم الحزن على المشهد الثّقافي السّعودي يوم الخميس 15 من شهر صفر للعام 1445 والذي وافق 31 من شهر أغسطس 2023 حين انتشر خبر وفاة القاص محمد علوان، هذا الحزن الذي تلبس، بالذات، من عاشره وعاصره إنسانًا ومسؤولًا ومُعلمًا وصاحب رحلة طويلة مع فن القصة القصيرة حتى غدا قطبًا من أقطاب التّجديد القصصي في مشهدنا الثّقافي السّعودي، ومآثره التي أشاد بها كل من عرفه وتعامل معه مازالت حيّة في قلوبهم وعلى ألسنتهم. 
وفي لفتة نبيلة، وجّه أمير منطقة عسير، ورئيس هيئة تطويرها الأمير تركي بن طلال، بدراسة التراث الأدبي للأديب الراحل محمد علي علوان، لتكون هذه الخطوة إحدى منطلقات مشاريع الهيئة في تعزيز الثقافة والأصالة ضمن إستراتيجية (قمم وشيم). 
من جانب آخر أفاد بعض رفاق الراحل بتواصل الفقيد بهم عبر الاتصال الهاتفي أو الرسائل قبل وفاته بوقت قصير، سواء بمبادرة منه أو بسؤال منهم، وكأنه تواصل يحمل ثيمة الوادع منه لهم ومنهم إليه، فكانت وفاته رحمه الله وداعًا ممزوجاً بلظى الفقد المرير، وبلوعة الافتقاد لشخص تجلت في حديث لهم عنه، وطالما أغدق على الحياة الثّقافية إنجازًا واقتراحًا ورأيًا، وعطّر حياة جلسائه بالثّراء المعرفي والأنس والبهجة وخفة الظل ذات البًعد العميق. 
ولد القاص والكاتب محمد علوان في أبها 1950 للميلاد، وهو حاصل على درجة البكالوريوس في الأدب العربي من كلية الآداب في جامعة الملك سعود 1974، وعمل في وزارة الإعلام منذ تخرجه، إلى أن شغِل منصب وكيل الوزارة لشؤون الإعلام الداخلي، إضافة إلى إشرافه في منتص السبعينيات الميلادية على الصّفحات الثّقافية في كل من «مجلة اليمامة» و»صحيفة الرياض» لسنوات عدة، كما شارك في أمسيات قصصية في الأندية الأدبية، وجمعية الثقافة الفنون، إضافة إلى حمله عضوية مؤسس في «مؤسسة عسير للصحافة والنشر». 
توّج الفقيد المشهد الثقافي بالعديد من الأعمال الأدبية، حيث كانت البداية بمجموعة قصص قصيرة عنّونها رحمه الله «بالخبز والصمت» التي صدرت آنذاك عن دار المريخ عام 1397هـ – 1977م، وأحدثت نقلة نوعية مهمة في مسيرة القصة المحلية ومن ثم توالت أعماله القصصية «الحكاية تبدأ هكذا» عن دار العلوم في الرياض عام 1403هـ، و«دامسة» عام 1419 و«هاتف» عام 1434 للهجرة عن نادي أبها الأدبي، ومن ثم «ذاكرة الوطن» وهي مجموعة مقالات صدرت عام 1414هـ، ليعود إلى القصة القصيرة فكانت «إحداهن» عن النادي الأدبي بالرياض عام 1439هـ و«طائر العِشا» أصدرتها دار سطور عام 1440هـ، كما قُدمت عنه دراسات نقدية منها: رسالة ماجستير بعنوان «دلالة المكان في مجموعة دامسة» للباحث مكي موكلي في جامعة الملك خالد. 
وقد نعى وزير الاعلام الأستاذ سلمان الدوسري في تدوينة له على منصة التدوينات (X) الفقيد بقوله: «فقد الوسط الإعلامي والثقافي الأديب الزميل الأستاذ محمد علي علوان، الذي توفاه الله، تاركًا إرثًا مشهودًا من الخلق الرفيع، والأعمال الأدبية المتعددة، نتقدم بأحر التعازي إلى أسرته ومحبيه، سائلين الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته». 
وعبّر «لمجلة اليمامة» عدد من المثقفين عن ألمهم لرحيل قامة من قامات القصة القصيرة ونموذج يقتدى به في الإبداع القصصي والكتابي، مسلطين الضوء على جهوده في تشجيع الموهوبين والأخذ بيدهم وإبرازهم وفسح كتبهم، والنهوض بالحياة الثقافية عبر المحتوى الرصين الذي لا يُجامل حياله مهما كانت صلته بصاحبه، متذكرين مواقف لهم معه أجمعوا على وصفها بالنبيلة. 

جبير المليحان: صاحب رأي متفرد وثابت. 
صديقنا القاص المبدع محمد علوان، في الطريق المفتوح أبدًا أمامنا جميعًا رحمه الله، لن أتحدث عن إبداعه المعروف، أو طريقته في تناول أحداث نصوصه، سأقول عنه ما عرفته عن شخصيته خلال فترات طويلة من لقاءات ومكالمات واجتماعات، أبو ميسون – كما كنت أدعوه- ورغم إنجازاته الأدبية، فهو الرّجل المتواضع في الحديث مع الكل، وتلك الابتسامة التي لا تفارقه بسرعة بديهة ملفتة، كثيرًا ما تحاورنا حول القصة خاصة والأدب بشكل عام، فكان رأيه الثّابت الحريص على أن تنعكس النّصوص ـ بخصوصيتها المحلية ـ في الإبداع، وكان يقول: يجب أن تكون لأدبنا سماته المحلية الخاصة التي تميزه عن غيره، الآن وقد فقدنا مبدعًا في القصة القصيرة، نعزي فيه أنفسنا وأسرته ومشهدنا الأدبي والثّقافي، فلروحه السلام. 

محمد القشعمي: صاحب احتفاء دائم 
رحم الله أبا ميسون، صديق عزيز عرفته حين كان مشرفًا على الصفحة الثّقافية في «مجلة اليمامة» ومعه عبدالكريم العودة، وكنت أزورهم حين كنت في حائل عام 1399 للهجرة، وحين كان مقر اليمامة في شارع الخليج، وكنت أحاول فيهم بزيارة حائل يشاركون في الموسم الثّقافي، حيث كانوا من المهتمين لمتابعة ونشر الاخبار الثّقافية، واستمرت العلاقة معه حتى انتقلت للرياض وأصبحت في رعاية الشّباب ومن ثم في مكتبة الملك فهد فأصبحنا نلتقي على هامش ملتقى مهرجان الجنادرية إذا اجتمع الأحباب، وكعادته دائما ما يحتفي بضيوفه، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وأولاده وأصدقاءه الصبر والسلوان. 

حسين علي حسين: كان كريم النّفس واليد. 
الحديث عن “محمد علي علوان” طويل ومتشعب، فهو اولًا مبدع مخلص للقصة القصيرة حتى أصبح أحد أعمدتها، فلم يكتب الشّعر ولم يكتب الرواية، ومقالاته التي كان ينشرها في عديد من الصحف هي في الغالب عامرة بنفس شاعري رقيق شفاف. 
والى ذلك فإن لمحمد علوان مساهمة مذكورة مشكورة عندما كان مسؤولًا ثقافيًا في اليمامة وجريدة الرياض، فقد اخذ بأيدي عديد من الموهوبين، فظهر منهم الشّعراء وكُتاب القصة والرواية والشّعر والدّراسات النّقدية. 
خارج الإشراف الثقافي وكتابة القصة، كان محمد علوان ولسنوات طويلة مسوؤلًا في وزارة الاعلام، فكان مديرًا للمصنفات الفنية، ومديرًا للمطبوعات وتوّج كل ذلك بأن أصبح وكيلًا مساعدًا للإعلام الداخلي بوزارة الاعلام. 
محمد علوان، كان على الدوام، كريم النفس واليد، عطوفًا مضيافا. رحمه الله رحمة واسعة، وليس لنا من امل ونحن نشهد اختفاء مبدعينا، إلا بأن يقدم لهم الدعم الانساني الذي يستحقونه، بتخصيص جوائز تقديرية وتشجيعية، وبنشر انتاجهم، ووضع اسماء المبرز منهم على الشّوارع وقاعات الدرس. 

حسن النعمي: غاب وبقي أثره. 
يغيب الأديب ولا يغيب إنتاجه وإبداعه هذه قاعدة عامة تصح في حق كل عطاء إنساني يؤثر في حياة الناس، ومحمد علوان القاص صاحب الكلمة التي أعاد بها تأثيث الأمكنة برؤية عصرية، ورؤية تنتصر للزمن الجميل، أقول هذا لأؤكد أن محمد علوان ذو أثر ممتد منذ نثر مداد قلمه على صفحات قوامها لتأسيس عوالم سردية فاخرة. 
محمد علوان من جيل الوسط الأدبي في أواخر السّبعينات وأوائل الثّمانينات، أسهم مع رفاق جيله أمثال جارالله الحميد وسباعي عثمان وحسين علي حسين في صناعة القصة القصيرة بروح حداثية تجازوا بها متن الحكاية التّقليدية إلى مبناها العصري، وهي التجربة التي تطورت مع جيل الثمانينات من بعدهم. 
أهم قضيتين في تجربة محمد علوان القصصية؛ المكان والمرأة، فحفظ للمكان هيبته من خلال توظيفه في سياقات قصصية إبداعية، وانتصر للمرأة إذ وضعها في سياق تجربتها الاجتماعية قبل زمن الطفرة التي مسخت الأمكنة وحجمت حضور المرأة. وهذا ينم عن فهم عميق لدور الفن، وأهمية استقلال الفن عن الواقع، فتجربة الراحل محمد علوان تجربة تستحق أن تدرس بعناية، رحم الله أديبنا الكبير. 

زياد الدريس: أبو غسان “الكبير” 
حين اكتسبتُ كنية “أبو غسان” قبل ٢٦ عاماً، كان عليّ أن أشرح لكثيرين ما معنى غسان، وما معنى اختيار اسم غسان والتكنّي به في زمنٍ كانت غالب الكُنى عند جيلي تتجه في اتجاه واحد! 
لم أكن أعرف أحداً حينها كنيته “أبو غسان” غير الرمز الثقافي اللامع محمد علوان، حيث كنت ألتقيه أحياناً في مقر مجلة اليمامة. لكني التقيته ذلك اليوم في مكتبه بوزارة الإعلام حيث كنت أعمل على فسح كتابي الأول. قال لي: أبو إيش يا زياد؟ قلت له: أبو غسان. قال مبتسماً: أوووه أهلا بك في نادينا. ثم أخذ يعدد علي المثقفين والإعلامين الذين كنيتهم: أبو غسان. وكان هو أقدمهم فاستحق أن أناديه دوماً في أي اتصال هاتفي بيننا، هو الذي يبدأه دوماً كعادته النبيلة مع كثيرين غيري، بقولي: أهلاً بأبي غسان الكبير. 
لم يتوقف رائد القصة القصيرة وأستاذها عن ممارسة شغفه، ولا أقول هوايته فقط، بكتابة القصص اللذيذة حتى وهو يعاني من اعتلال صحته في السنوات الأخيرة. يكتب وينشر ويوزع نسخاً من المجموعة القصصية الصادرة حديثاً، يفعل ذلك بنفس الحماس والشغف والفرح الذي يعتري المبتدئين. شاخ محمد علوان ولم يشخ قلمه ولا عشقه للقصة، وهذه ذاتها أجمل قصة كتبها الراحل محمد علوان، رحمه الله رحمة واسعة. 
“أبوغسان الصغير” 

محمود تراوري: الرقيب الذي فاض صمته إبداعًا. 
(هيا ياواد.. أنا في طريقي إلى أبها لحضور فرح ولد أخويا بكرا، وبعدها أنزل جدة وضروري أشوفك) هكذا أتاني صوته في مايو الماضي، وكان (اللقاء الأخير). التقت روحانا منذ 1987 يوم أن هاتفته باغيًا (الحكاية تبدأ هكذا) مجموعته القصصية التي وجهني لقراءتها (المعلم) الناقد فايز أبا، فبعثها بكل نبل بدايات الألفية إبان الطّوفان الروائي، بوغتّ باتصاله ذات صباح – وهو كيل وزارة، المسؤول الأول عن رقابة المطبوعات – يحدثني بكل لطف الدنيا عن كتاب في إدارة المطبوعات ينتظر الفسح، يسألني إن كنت أعرف كاتبه، مبديًا قلقًا وخوفًا على الكاتب من مضمون الكتاب المتهور و(الخبل) حسب وصفه، كان يتحدث بنبل، بروح الأب المربي الحريص، لا (الرّقيب الفظ) مضى الزّمن حتى كان العاشر من ديسمبر 2015 حين شرفني الصديق علي فايع بتقديم ورقة عن (أدب محمد علوان) في ليلة تكريمه (منتدى ألمع الثقافي) بصفته شخصية العام الثقافية، ليلتها جهرت بأن (علوان وعلى مدى أكثر من أربعين عامًا، لم يصدر سوى أربع مجموعات فقط، على مدى أكثر من اربعة عقود، مؤكد أنها قمينة، بطرح علامات استفهام واسعة عن ماهية ومبررات هذا الصمت) ليتهاوى ذلك الصمت خلال 8 سنوات ويفيض منهمرًا برواية قصيرة وأربع مجموعات تالية، مختتما مسيرة لافتة في دروب السرد بالسعودية. مع علوان (بدأ النبل هكذا) رحمه الله. 

أحمد الدويحي: ذو جوانب عديدة نيّرة. 
الأستاذ محمد من جيل أسس لفن القصة القصيرة في بلادنا, ومن الذين وطّنوا الفن الكتابي وجعل له قدسية خاصة لدرجة أنه لم يتخل عن هذا الفن وظل مخلصًا له حتى اخر رمق من حياته، ومعرفتي بالمعلم – كما كنت أسميه – تمتد لعقود طويلة جدَا، إذ كنت أنظر له بالكثير من الإجلال وأرى فيه نموذجًا رفيعًا يُقتدى به، وأذكر أنني ذات مرة ذهبت في جريدة الرياض بثلاث نصوص قصيرة وكان حينها مشرفًا على الأقسام الأدبية، وبجانبه الصّديق المبدع عبدالكريم العودة، وكان يَعرفني من خلال مهاتفتي له، وحين أراد أن يُقدمني إلى الأستاذ عبدالكريم العودة قدّمني بالشّكل التالي «القاص الواعد أحمد الدويحي» فشعرت بانقباض وشعرت بصدمة في غير مكانها، ويبدو أنه لاحظ هذا، فكنت اذا جئت إليه في وزارة الاعلام بعدما أجيز بعض نصوصي ورواياتي لأقدم له أحد كتبي كهديه، تفاجأت به ذات مرة يسألني ألا زلت واعدًا؟ فضحكنا معًا، فأنا لم أنس وهو لم ينس لأنه شعر بي، فلما ضحكنا قال لي: إن المبدع يظل واعدًا طيلة عمره أحسن من أن يكون منتهيًا». 

إدريس الدريس: رحم الله محمد علوان. 
رحم الله الأديب القاص محمد علوان، يهبط الحزن فجأة بلا موعد ولا استئذان، وقد يلاحقك حيثما كنت فيجثم على صدرك ويزيد همك، وها أنذا في إجازة للاسترخاء خارج الوطن منذ أسبوعين لكن مع السّاعة الأولى التي بسطت فيها شراع الرحلة تولتني الفجيعة وأشاعت النّكد عندي مع وفاة مفاجئة لابن خالي وحبيبي عبدالرحمن الدريس ومكثت أتجرع الحزن مما حدث له ومعي دون سابق إنذار وبقيت لعدة أيام من هذه الإجازة في كبد لا يستشعره إلا زوجتي رغم كل محاولاتي في التّكتم وإظهار المقاومة أمام بناتي، وبقيت على هذا الحال في صراع بيني وبين الفجيعة، وكنت أعلم أنني سأتشافى وأخرج من حفرة الهم إلى فسحة النّقاهة ثم النّسيان الذي هو حالنا البشري مع كل محتوم ممالا يُستطاع ولا يُقاوم مثل الموت، لكن الموت هذه المرة متربص يهرول فيقطف هذا ويقصف ذاك ويخطف من لا ترجو ولا تتوقع لأنه لا يستأذنك حين يصطفي من يشاء من الأخيار، أجل فقد استيقظت اليوم الخميس في هذا الصّباح الباريسي الماطر وقد لطمني الواتس أب بنعي الصّديق الوفي الأستاذ محمد علوان «ابو غسان « الذي يسبقني في العمر ويسبقني في الوفاء وموالاة التّواصل الهاتفي يسأل عن حالي ويعتب على تقصيري. 
عرفت أبا غسان في بداياتي الصحفية وكنت أدرج متهيباً في ممرات «مجلة اليمامة» ثم أتصادف معه وأحظى ببشاشته وبترحيبه على النّحو الذي أزاح عني هم الولوج إلى هذه المجلة، ومزاملة القامات الذين يكبرونني سنًا وقدرًا، كان أبو غسان مشعًا وسيمًا ويحمل خلفه صيت « الخبز والصمت» وهي المجموعة القصصية التي أنبأت عن بزوغ قاص مغاير للقص التّقليدي بحسه السّردي وتشويقه اللغوي وهو ما جعله قدوة يقتفي أثره حشد من التّلامذة في طابور القصة القصيرة في المملكة العربية السّعودية، وقد أتبعها بالحكاية تبدأ هكذا ثم دامسة ثم غيرها في سلسلة إبداعه القصصي الحديث، ولم يكن حبيبنا أبو غسان قاصرًا في تجلياته على القصة فقد كان يملك ناصية المقالة الصّحفية التي توازعتها مجلة اليمامة والرياض والوطن وغيرها من الصّحف المحلية، حيث كان بين حين وآخر ينفث فيها من أنفاسه السّاخرة السّاحرة، والذين يعرفون حبيبنا محمد علوان ويأنسون لمجالسته يعرفون حسه الفكاهي اللافت الذي يضفي على المكان متعة لا يجاريها أحد في النّقد اللاذع لكل شأن ثقافي واجتماعي حيث يغشى المتغيرات المجتمعية بتعليقاته المثرية والناقدة. 
رحم الله فقيدنا الكبير وأسكنه فسيح جناته، على أنني لم أكن لأعنون هذا التّأبين إلا برحم الله محمد عنوانًا، فهو عنوان لكل فضيلة وسماحة وحسن خلق، رحمك الله يا صديقي. 

محمد علي قدس: الحكاية لا تنتهي برحيله. 
حين أصدر محمد علوان مجموعته القصصية «الخبز والصمت» في أواخر السّبعينيات الميلادية التي تنبأ له فيها يحي حقي الكاتب القصصي الكبير بأنه يملك كاريزما القاص المعاصر المتمكن بقدراته الإبداعية لغة وبناءً، وفتح الطّريق لجيل صنع عصرًا جديدًا للقصة التي تعد ثورة وتجاوزًا مختلقًا عن كل القوالب القديمة، كان هو حقًا أبرز جيل السّبعينيات في كتابة القصة الحداثية التي لا تنفصل بمتغيراتها عن الأصول والجذور. 
وفي عام ١٩٨٣م صدرت مجموعته القصصية الثانية «الحكاية تبدأ هكذا» كانت تلك القصص قد أحدثت أثرًا له صداه وكانت حقًا حافزًا لمن شاركوه إرهاصات النّص القصصي المختلف والحديث بكل مكوناته البنيوية، في تلك الفترة نظّم نادي جازان الأدبي عام ١٩٨٣م أول أمسية قصصية تقيمها الأندية ضمن نشاطاتها المنبرية، شاركته فيها ومعنا القاصان الرائدان: محمد الشقحاء، وعمر طاهر زيلع، وشاركنا الدكتور سعد البازعي بقراءة نصوص الأمسية القصصية نقديًا. 
حين تولى محمد علوان منصبه كوكيل شؤون الإعلام الداخلي بوزارة الإعلام، عقد العزم على أن يدعم كل من لهم علاقة بالقصة إنتاجًا وإبداعًا، حتى أغراني حماسه وتأثرت بعطائه وحماسه، وهو ما كان عليه عزمي وهدفي حين كنت في ذات الوقت أمينًا لسر النادي الأدبي في جدة، ووجدناه داعمًا وحريصًا على نشر أدب القصة حين تولى الإشراف على الملحق الثقافي في عدد من الصحف والمجلات، بإنتاجه القصصي «بدامسة» و»الهاتف» ووضع بصمته الواضحة للقصة السعودية المعاصرة، رحمك الله يا أبا غسان، سنذكرك دائمًا ما دامت نصوصك القصصية حاضرة ومؤثرة، وحقًا لم يؤلمنا ويعتصرنا الحزن إلا بعد كتبت نص رحيلك فجراً، والحكاية لا تنتهي برحيله. 

إبراهيم طالع: أثر لم يكن إبداعيًا كتابيًا فحسب. 
كتب وسيكتب غيري من أرباب فن السّرد عن فنيته لدى الراحل محمد علوان، غير أنني أشير إلى نقطة تميزه في تأثيره في المشهد الثقافي وهي: أنه – مع ريادته الإبداعية – كان يمثل الجهة الرسمية (الرقابية) في وزارة الإعلام، مما سهّل للتنويريين الموازين في الإعلام الميداني شعرًا ونثرًا وفعاليات، سهّل عليهم المرور أمام معيقات تلكم الأيام التي كانت المنابر الرّسمية في مجال الثقافة والتعليم والقنوات الأخرى معرضةً للاستيلاء عليها وتعطيل انطلاقة الشباب التنويريين آنذاك، فأثر محمد علوان في المشهد لم يكن إبداعيًا كتابيًا فحسب. 

عبد العزيز السويد: فقدنا أديبًا زاهدًا في الأضواء. 
إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا نقول إلا ما يرضي الله تعالى، فقدنا وفقد الوسط الثّقافي السعودي أديبًا ثمينًا متواضعًا زاهدًا في الأضواء وصديقًا عزيزًا لكثيرين، وأصبحنا نكتب عنه بصيغة الماضي فسبحان الباقي. 
كان محمد علوان الإنسان رحمه الله مبادرًا بالتواصل مع أصدقائه، يسأل ويطمئن عن الأحوال ومن دون مبالغة في كل لقاء أو محادثة كان الأديب حاضرًا، يستخرج من كلمة عابرة فكرة لمقال ظريف أو لمشروع قصة قصيرة عميقة، يفاجئك بقدرته على التقاط ما غفلت عنه لينسج منه لحظة بهجة ومرح، ومثل كل كاتب يحترم فكره وقلمه وقُراءه عرف أبو غسان بالسّماحة والبعد عن الخصومات والعزوف عن مغريات تعترض طريق من انغمس في بحر الكتابة واضعًا هموم النّاس وشجونهم نصب قلمه، اللهم عامله بفضلك وكرمك واغفر له وارحمه واسكنه الجنة وعظم أجر ذويه وأجرنا نحن محبيه وأصدقائه وزملائه إنك سميع مجيب. 

محمد الماجد: رحل وترك وراءه غامية تبيع الحناء. 
لم أكن سوى أحد أبنائه المتعلمين على سبيل نجاة، حين بادرني بمكالمة أبويّة للحديث حول هموم الشّعر والقصة، كان أكبر من حديث للتّعارف، وأقل بكثير من أن يُشبع نهمي للغوص أكثر في محيط هذا الرّجل الذي بدا لي- ولوهلة- أنه غمرني وبسرعة، بينما لا زلت أقف متهيّباً على ساحله، تبع الحديث حديث آخر، تبادلنا خلالهما قصصًا نافرة، ونصوصًا مبتورة الأطراف، دون أن ننس الحديث عن تحولات المشهد الثقافي، والآمال الكبيرة التي بدت تلوح في الأفق، وكنا نخطط للقاء قريب لولا أن القدر انتهبه نهبًا من بيننا، ذلك القدر الذي ربما عناه بقوله: «لا بأس، سأجمع أحزاني، سأهرب منه إليه» رحل أبو غسان وترك وراءه غامية تبيع الحناء، ولطفية وهي تدبر شؤونها مع الراديو، وبثينة وسواهن من أسماء الجنوبيات اللواتي ركبن هوادج الغيم لا لشيء سوى ليمطرن بياضه بمطر حارق. 

أسعد شحادة: عمّد سيرته الأدبية بتفرد يستحق الاحترام. 
كان – رحمه الله – في صفاته «كثافة» لا تضاهى، صادقًا في عباراته، كريمًا في انطباعاته، وكان حضوره بمثابة احتفال بالحكايات، تلك التي تعكس حبه للجمال والحقيقة وكل شيء أصيل، كما كان «أبو غسان» من القلائل الذين عمدوا سيرتهم الأدبية بتفرد يستحق الاحترام والتّقدير. لقد كان مرنًا جدًا في كل ما يتعلق بادعاءات محاوره، لكنه كان صارمًا بمجرد خروج النقاش عن المسار، لقد كان منضبطًا بامتياز، وبالطبع لست أهلاً لمهمة الحديث عن أعماله، لكنني كنت أُقدر حقًا ثقته بي، وخاصة في كل مرة كان يرسل لي فيها نصًا قبل أن ينشره، كان الأمر صعبًا للغاية بالنسبة لي، لقد فقدت صديقًا نادرًا. 

الشاعر احمد عسيري: بيدر الصباحات الجنوبية. 
ليلتان فقط تفصل بين كلمة «ولعون» وبين صمتها الأبدي، هكذا كان محمد علوان يبدأ تحيته المسائية حين يوغل في عشقه العسيري، فهي بيته المشتهى، وانشغاله المهيب، وبساط ريحه الكوني، يحمل «غلته « كل مساء ليدلقها في سمعي وكل جوارحي، أصغي لها كمساقط الضوء، وهديل البساتين في مواسم الغبطة، حين يكمل قصته يخضر المدى في عينيه، وتحط طيور الأرض فوق يديه، ويزهر تبر عواطفه سهولًا من الريحان، وجدائل من فرح الطفولة، محمد علوان سادن الوجع الغافي، ونزف الإعصار الهاجع، وكبرياء الجبل الرحيب، سيد الجمال والدهشة، وبيدر الصباحات الجنوبية، وذاكرة الديار البعيدة التي لم يفطم من طعمها، وعشقها الأخضر حتى مات، في تجربته القصصية الممتدة لنصف قرن مارس ولعه وشغفه في تحريك شخوصه من خلال سردية فيلمية، وتعالق حسي وبصري مع موجودات الأرض في فيض أعماله، حيث نلحظ أن مخياله ملتصق بجنوب القلب ترميزا ومخزونا حتى الثمالة، يقتنص العصي من أسرارها، ويغسل روحه بعطر طينتها، وغسق أحيائها، ولجج حكاياتها الجبلية. 

طفول العقبي: 
محمد علوان أباً ومبدعا وصديقا للأجيال. 
عرفتُ الأديب الكبير محمد علي علوان “ “كخالي محمد “ مثل ما كنتُ وأندادي من أصدقاء العائلة نناديه .. كان يلفت نظري بحنانه الواسع الذي كان يسبغه عليّ وعلى بناته وأبنائه وأبناء وبنات الأصدقاء ،وكأن أي واحد منا وكل واحد منا طفله أو طفلته الأثيرة ، كما كان يشدني تناغمه مع “ خالة فايزة المعلمي “ وتنافسها معه على توزيع الحنان والحلوى على الأطفال والكبار أيضا ، 
ولكني كبرتُ وكبرت معي العيون التي صرتُ أرى بها الإنسان الكبير المبدع محمد علوان ، والأحرى أن أقول كبرت وكثرت العيون التي صار علي أن أنظر بها إلى الأستاذ محمد علوان : 
أ. محمد الأب المترع بالحنان مع الأسرة والأصدقاء ومع شريكة حياته خالتي فايزة ،المترع أيضا تجاهها بالمودة والرحمة مقابل ما تبذله من عطاء. 
أ. محمد علوان الأخ الشقيق لأمي فوزية أبوخالد في السراء والضراء ولا أنسى يوم حمل من خوالي وجدتي صناديقا من الكتب والأثاث ليحضرها معه في طريقه البري مع أسرته من جدة إلى الرياض. 
أ. محمد علوان الكاتب دائم الإخلاص لإبداعه القصصي منذ مجموعته الأولى “الخبز والصمت” والتي قرأتها بأثر رجعي بعد أن شببتُ عن الطوق وصرتُ من القراء المفتونين بكتابته القصصية بالذات، ولا زلتُ أحتفظ باعتزاز بمجموعته الوحيدة التي حملت إهداءً خصني به رحمه الله وأحسن إليه، يوم مر علينا بالبيت بصحبة خالتي فايزه ومعهما مجموعته القصصية( هاتف ) لماما، فأقترحت عليه خالتي فايزة بحسها السخي أن يحضر نسخة من السيارة ويكتب لي أنا أيضا إهداء، وقد كان .  
كانت تلك آخر مرة ألقاه فيها في بيتنا في الرياض ، وكان ذلك قبل عدة سنوات من الآن ولكن صورته وحنانه وقلمه المبدع سيظل بقلبي وعقلي و ضميري كما في قلب أسرته ووطنه والكثير الكثير من قراء وطننا الأبي والوطن العربي بأسره. 
واليوم وأنا أتابع هذه اللوعة العارمة على وسائل التواصل لفقده فإنني لأرى فيها وقع إخلاصه وتفانيه لأدبه 
كما أرى فيها رمزا لخلوده على لوحة المجد الإبداعي التي كتب بمداده اسمه عليها وبإذن الله خلودا في الجنة. 

علي فايع: قدرات علوان قدمته للقارئ والمختص. 
ليست المقدمة التي كتبها يحيى حقي لمجموعة محمد علي علوان القصصية الأولى «الخبز والصمت « هي من قدمته للسّاحة الأدبية فقط، بل إنّ قدرات علوان في كتابة القصة القصيرة كانت أكبر في هذا الحضور والاستمرار. لم يتوقف علوان كثيرًا عند هذه المقدمة التي كان يحلم بها كلّ أديب في زمنه، وعدّها استحقاقًا، وإنصافًا لتجربته في كتابة القصة وإلاّ لتوقف كما حدث مع آخرين، بل ظل علوان لسنوات يكتب القصّة الإبداعية التي تحوّل العادي والهامشي إلى متن إبداعي، تقرؤه وكأنك تعيش أدق تفاصيله بنفسك. 
انتصر محمد علي علوان في سبع مجموعات قصصية، ورواية، ومجموعة قصصية ثامنة في طريقها (كما علمت) للنشر للمكان والإنسان، ولعلّ الّسّمة الأبرز في النّصوص القصصية التي كتبها علوان أنه يكتب عن المكان بلهفة، ويتمثل الإنسان كما يجب، دون إخلال بشروط الكتابة الإبداعية. 
العديد من نصوص علوان القصصية مازالت تتحرك في ذاكرة القارئ بعد سنوات من كتابتها، وهذا تجسيد حقيقي لقدرة النّص الإبداعي على العيش بعد موته في الواقع، وما يميز نصوص محمد علي علوان القصصية أنها مُحْكَمة، فلا زيادة ولا ترهل، ولا تصنّع لغوي، إضافة إلى أنها تجربة تنمو باستمرار، ولا تكرر نفسها كما حدث، ويحدث مع كثير من كُتاب القصة القصيرة، سنفتقد اتصالات أبي غسان وسؤاله، لكننا نعيش معه من خلال نصه الإبداعي الذي يحتل المكانة العليا في مكتباتنا الشّخصية. 

أحمد الفاضل: 
سيخرج أبطالك لواجب العزاء 
رحيله هو تلك الحُرقة الكاتمة للأنفاس. 
في هذه الحياة يا “أبا غسان” أما أن تتفتت من الفجيعة مثلي على ماحدث! أما أن تموت كما حدث. 
كُنا نملك أحزاناً مواربة وجراحاً متقاربة، وكان أستثنائياً بيننا في الجمع بين الارادة الحرة ومهارة المقدرة التواصلية مع الفئات والأطياف بعلومها وهمومها. 
سيخرج أهل الجبل والوادي والسوق من القِصة اليوم لواجب العزاء. وتأدية التحية الحزينة للأبد، لاوفاء يشبه نبرتك في الهاتف، ولا بهجة تشبه محياك. 
يا ذا العاطفة الشابة والبديهة الخلابة. 
سترحل وبمعيتك الكثير من الخير والغزير من المحبة والجدير من الجمال. 
يا سارد الحكايات ويا نجم العشيات، 
ستبقى ساطعاً في الذاكرة، باهياً في القلب. وسأجدك، كل مرة وكما أنت، في القلوب والأخلاق والمجالس والمكتبات. 
والله والله ان خسارتنا كبيرة وفجيعتنا مريرة! 
لروحك الرحمة يابطل السجايا.. 
لروحك السلام يا صديقي الكبير..


المصدر: مجلة اليمامة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *