رُبّ أَخ لي لمْ تَلده أُمّي!

12 أكتوبر، 2023 | تأبين | 0 تعليقات

عبد الكريم العودة

لم يكن الصديق الحميم محمد علوان، كاتبًا، كأحد من الكتاب، بل كان نسيج وحده، لا يشبه أحدًا ولا يشبهه أحد، كان مختلفًا في سلوكه وأخلاقه، مثلما كان مختلفًا في أدبه وإبداعه، كان نقيًا كالثلج، شفّافًا كماء السماء، مُرهف الحس، رقيق المشاعر، كريمًا، مُلهمًا، ساخرًا، عاشقًا للحياة، كان خلاصة الإنسانية متجسدة في أجمل مظاهرها.
أشعر بآلام عظيمة لفقده، وبجروح عميقة تحزّ في النفس، وتلوب في القلب، وتنضح بها العين، لكني مع ذلك أشعر بأن الله كان يحبني، حين ربط بيني وبين هذا الإنسان الرائع النبيل برباط من الأخوة والصداقة دامت خمسين عامًا، ولم تكن هذه السنينُ الطويلةُ طويلةً، كما كنا نتخيّل، فقد مرت مرّ السحاب، واختفت فجأة في طرفة عين.
بدأنا الكتابة معًا في منتصف السبعينيات، ومنذ ذلك اليوم حظيت بشرف الاطلاع على أعماله القصصية قبل نشرها. وكان كلما كتب قصة جديدة يتصل بي فرحًا متهللًا، كمن بُشّر بمولود جديد. كان يكتب القصة القصيرة بموهبة وتلقائية كجريان الماء في النهر، فكان ينسج من حدث عادي، أو جملة عابرة، أو فكرة سانحة، عملًا إبداعيًا خلّاقًا، يرسم من خلاله صورة ممتعة للحياة اليومية، وهموم الناس البسطاء، في القرى الجنوبية، وسفوح الأودية، وشَعَفات الجبال. 
لقد كنا نضرب في فجاج الأرض معًا، نستكشف المدن والشوارع والكتب ووجوه الناس الغرباء، ثم نرجع بفيض من المشاعر، والقصص، والحكايات، التي تبدأ ولا تنتهي!
وكان بيته منتدى أدبيًا عامرًا يجتمع فيه الأصدقاء الذين يحرص على دعوتهم بانتظام، فكانت الجلسات تتحول إلى أمسيات أدبية، نتبادل فيها الأفكار والآراء، ونناقش قضايا الأدب والفن والثقافة، وحين يرى منا أبو غسان إسرافًا في النقاش الجاد المتوتر، يخطف زمام الحديث بسلاسة، ويلقي بفكاهة لاذعة، أو قصة طريفة، تنقل مجرى الحديث إلى أجواء من الفرح والابتهاج!
كان يضئ قناديل الفرح والبهجة في أي مكان حلّ فيه، ويُلْهم كل من حوله حبّ الحياة، ونبذ الكراهية، والصدق، والحب، والسلام النفسي.
إن علينا اليوم أن نحتفل بالإرث الجمالي والإنساني العظيم الذي تركه لنا محمد علوان، لقد ترك لنا ثروة من الإبداع، والمحبة، والقيم، والأخلاق الإنسانية الرفيعة.
لقد كان أخًا لي لم تلده أمي!

عبد الكريم العودة


المصدر: مجلة اليمامة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *