داخل هذا المتحف الضخم.. والتاريخ يحاصرك من كل جانب.. هذا الصمت الذي يشعرك بمسحة فرشاة الرسام.. صوت أزميل النحات.. أنت الآن في خزانة الفن.
وقف مذهولاً أمام تلك اللوحة الصغيرة المذهلة.. ظل يتابع تفاصيلها.. ثلاثة رجال بقبعاتهم المتشابهة وأمام ثلاثة كؤوس وزجاجة ثبّتت تلك اللحظة.. المشهد تنقصه الأنفاس.. حركة الأصابع والرموش لكي تكون الصورة مشهداً تبعث به الحياة الحركة.
داخل حالة الدهشة تلك، شعر أنّ يد أحدهم تمتدّ إلى الزجاجة تمسك عنقها.. تسكب ما في جوفها إلى الكؤوس الثلاثة، شعر أن السمكة التي في اللوحة تكاد تصدر رائحة شوائها.. بل أبصر بخاراً وكأنه يخرج.. تخيّل الرائحة والطعم والمذاق.. امتدت يد أحدهم لتعبث بإتقان بجسد السمكة وأخذ يوزع على صاحبيه.. لم يتبقّ منها سوى تلك الأشواك المتماسكة.
القبعات مع مرور الوقت أصبحت فوق الطاولة.. خشي أن يصدر صوتاً أو غناءً أو صراخاً.
لم يلتفت لا يمنة أولا يسرة.. ركّز بكل أحاسيسه على ما يحدث في هذه اللوحة
غير مصدق ما يجري.
فجأةً انتشله من انغماسه في اللوحة جرس.. التفت فإذا بزوار المتحف يتجهون إلى باب الخروج … أما هو فقد ارتبك وشعر كأنه كان نائماً أُجبر على اليقظة
أعاد النظر إلى تلك اللوحة فإذا بها جامدة مثلما شاهدها أول مرة…
الرجال الثلاثة يعتمرون قبعاتهم والزجاجة ملأى والكؤوس فارغة.. لكنه أحس بالذهول.
محمد علوان – ٢٣سبتمبر


0 تعليق