اللعبة

24 نوفمبر، 2011 | الحكاية تبدأ هكذا | 0 تعليقات

.. إليكم نشرة الأحوال .. ضباب كثيف يسود المناطق الجبلية .. حيث تكاد الرؤية تنعدم أما بالنسبة لمناطق الصحراء .. فغبار متصاعد يحجب الرؤية .. ويتعذر معها الإلتقاء إلا أن هناك فرصة ضئيلة لسقوط مطر خفيف قد يعمل عل تهدئة الأحوال المثارة.. وإليكم درجات الحرارة المتوقعة . نظر الثلاثة إلى وجود بعضهم البعض .. وفيما يشبه الإتفاق المسبق .. أطلق أحدهم أصبعه نحو جهاز التلفزيون ..ضغط .. تلاشى المنظر .

–    إنتهى الشاي والأحاديث الكاذبة .. ألا يمكن أن تتبدل هذه الأحوال ؟ –    وماذا تريد ؟ .. التبديل .. كيف ؟ وإلى ماذا ؟ –    أريد الكيثير .. وبطبيعة الحال إلى الأفضل .. أما كيف ؟ فالخيارات كثيرة ولكل طريق إيجابياته وسلبياته .. أما القناعة فلم تعد تحمل مغزى سوى تلك القيمة التافهة للإطار الذي يحمل هذه الحكمة. –    معك .. القناعات الكثيرة التي تسيطر علينا .. يجب أن تناقش .. نقف منها موقف المتسائل .. الشاك .. كفانا قبولاً لكل شيء دون رفض .. دون اعتراض . –    لكن ما هي الطريقة ؟ ومن الذي يقول لا .. في حينها ..وفي الوجه . –    أظن أنها مرحلة .. مرحلة خضراء تلك التي نتسائل فيها عن الكيفية .. عمن يقول إلا.. لأن معنى ذلك أننا بدأنا نتلمس الخلل في الصوت .. الخلل في الخطوة.. وربما في الهدف . هل توقفت .. مرة واحدة .. وبحثت عن صوتك .. هل عرفت أين تضع قدمك ماذا سنكسب ؟ ماذا سنخسر ؟ .. لمن كسبنا .. ولمن خسارتنا؟ .. الهدف يتشكل بفعل الصوت والخطوة . –    أفهم من هذا أن الهدف غير محدد . –    لم أقصد .. فالعدالة ، الحرية ، المساواة ، تكافؤ الفرص . جميعاً أهداف محددة . لكن هناك أهدافاً مرحلية .. تصب في النهاية هناك حيث الحلم .. ستكون بطبيعتها متغيرة تبعاً للظروف لا سيما أن منطقتنا تتعرض لضغوط مرتفعة أو منخفضة .. والطقس غير ثابت والرؤية في معظم الأحيان منعدمة . هز رأسه ضاحكاً .. –    كيف يمكن لي أن أنعتق من عبودية هذا الجهاز البغيض صدقني أن الشيء الوحيد الذي أثق به على وجه التحديد هي نشرة الأحوال. هي الثابت والمتحول. –    لكن ثقافتك .. أقصد السياسة .. تكونها من مجموعة الإبتسامات وحفلات البروتوكول والتصريحات المائية . –    لا يا صديقي .. أحس أن التاريخ هو المقياس لما يحدث على الساحة .. يختلف الممثلون والمخرجون لكن شيئاً واحداً لم يختلف .. المسرح .. والجمهور .. والخير والشر .. والرغبة في البقاء والسيطرة .. الحرب الدائمة الشرسة حرب القوى .. حرب الأذكياء . –    وهل نحن ضعفاء أم أغبياء ؟ –    لا . –    كيف ؟ –    أحضر لي علبة كبريت ودعنا نلعب اللعبة المعروفة . –    نحن الثلاثة ؟ –    نعم اللعبة يا سيدي تتحمل الكثير .. يتقنها الجميع .. ولها أربعة أوجه والمسألة في البقاء هي مسألة الزمن . –    أنت بذلك تنفي النظم .. القوانين ، العادات ، الإنتخابات . روح القيادة أنت بذلك تتركها لمحض الصدفة .. وهي مقياس زئبقي .. الصدفة لعبة حظ وهي في عمر الشعوب لحظة .. ربما تكون مضيئة معتمة .. متقدمة .. متخلفة . –    أنا أخالفك الرأي . –    لا تتعجل نحن ننطلق من العاطفة .. ونعود إليها . هذه الأرض بأجوائها المتقلبة بطبيعة أرضها المتباينة  أصابتنا بالعدوى .. عدوى الانفعال ، الثأر ، الكرامة .. كانت في البداية عواطف صادقة .. فاعلة ومؤثرة .. أما الأن فهي تأخذ من الصابون صلابة حجمه .. لكن بقليل من الماء .. تذوب .. تذوب كل الأشياء . أفهمتني .. ؟ عيناك تحدثاني .. عن عدم إقتناعك .. –     فلنلعب . آمل أن تكون صادقاً في نفعالك .. لترى الخيط بين اللعبة والواقع . –     من يلعب أولاً ؟ –     سؤال محدد .. من يملك حق الابتداء ؟ .. وعلى افتراض التساوي .. فلا بد من القرعة . –     أنا سوف أبدأ اللعب .. فأنا وسعيد ضيفان عليك ولا بأس أن أتنازل لسعيد لكي يلعب .. فهو أكبر تجربة منا في فهم الناس والسفر والحب .. فهو هو .. لا يزال العاشق الأول في حارتنا حتى الآن . –     إذاً .. فقد قررنا اللعب على افتراض المساواة بين الجميع .. الفارق بيننا .. شيء واحد .. مقدار الإنفعال الناشيء عن نتيجة اللعبة . يرمي سعيد علبة الكبريت .. حرامي . يرمي (علي) العلبة .. وتكون نفس النتيجة .. حرامي. بدأ قليل من غضب مفاجيء ينحضر بين حاجبي (علي) . تريثت قليلاً .. قلت لهما : ماذا تتوقعان ؟ وكان لا بد من رأي .. قال واحد منهما .. حرامي قال الآخر : وزير . تداعى إلى الذهن خبر وزير الدفاع الياباني .. قدم استقالته عندما إصطدمت طائرة مدنية بإحدى الطائرات الحربية .. حزنت .. تمنيت أن تكون اللعبة شيئاً ما غير الوزير .. تذكرت تلك البغلة التي تسقط في نواحي العراق .. اتضحت حدود المسؤولية .. هدأت قليلاً أمسكت العلبة بحزم .. قذفت بها على الأرض وكانت النتيجة .. حرامي .. إنفجر الاثنان بالضحك .. ضحكاً يملؤه التشفي .. تنهد أحدهم وقال بصوت مسرحي -: تحيا العدالة . قلت : لكن من ينفذها ؟ لا بد من قائد .. وزير جندي . قال سعيد : نعرف بعضنا .. فكيف يكون أحدنا قائداً أو وزيراً أو جندياً . ؟ –    لا بد من ذلك .. الشيء الطبيعي في الحياة .. لا بد من قياده . –    وهل نتناسى النتيجة السابقة .. ماذا عنها ؟ .. الا تخفف من الانقياد .. تخفف من الثقة وهي الأساس بين القائد والناس . –    لا تنسى أنها لعبة .. نفس اللعبة التي رفضتها .. أراك قد اندمجت فيها تماماً. رمى سعيد بالعلبة .. صاح جذلاً : – أنا القائد .. أنا القائد نظر إلينا وبحركه متعالية .. وقف .. مد ذراعيه ببطء .. قال: ماذا تطلبان.. يا شعبي العزيز ؟ .. الذهب ؟ الفضة؟ .. الزمرد ؟ . صحت به : لم يتحدد من هو شعبك؟ –    وماذا يعن .. وزير سيكون أقل مني مرتبة .. جندي سيرضي طموح الوزير والسارق سنودعه السجن.. وليعم الرخاء . –    إن مجرد إعطاء الناس حقوقهم ومطالبهم .. أحلامهم المشروعة لا تخلق أرضية للسرقة .. ولن يكون هناك داعياً لوجود الجند. –    وهل ترغب أن يكون كل الناس قادة ووزراء .. فإذن كيف أطبق القانون؟ –    أأطبقه على نفسي ؟ لعبت دوري وكانت النتيجة .. قائد .. وتنازل لي عن حقوقه وهو يبتسم .. وظلت اللعبة تدور..  صوت صفارة الجندي خارج المنزل .. نظر كل ساعته.. انتصف الليل .. ودع بعضنا الآخر .. ولا زالت الأجواء تنعدم فيها الرؤية .. والفرصة مهيأة لهطول المطر.

الكويت 07/02/1400هـ

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *