الفيلا الصغيرة ذات الألوان الهادئة الحالمة .. تسيطر على الداخل إليها .. تجعله يقتصد حتى في أنفاسه .. الحديقة .. حوت الكثير .. رفضت أن تنسقها تؤمن بأن التنظيم.. والتعمد لكل شيء يفقده جماله .. ينزع عنه عفويته .. تقول : حديقتي هي الغابات التي لا أستطيع الوصول إليها … بركتها الزرقاء الصغيرة هي البحيرات .. السور المرتفع بنبتته الجهنمية ما هو إلا الجبال التي تحلم بلمس أقدام السحاب من فوقه ..
حتى علاقتها بزوجها .. هذا الحبيب اختارته بعد حب .. واختارها بعد معرفة .. الحب لمحة واحدة تكفي لأن تقول كل شيء أما المعرفة فلا. في مجتمعنا كان لها أن تستغل هذه اللمحة لتحدد بها كل شيء وهو كان له أن يتأنى في كل خطوة .. لديه المقدرة على التحرك.. والبحث والسؤال . كان بمفرده .. عرف أن ذلك يغضب والده . على الأقل من باب الطاعة والاحترام – غامر .. طلبها من أبيها .. اندهش الأب مرن على غير ما توقع .. رآها .. نظرت إليه التقت العيون .. وفي صمت رائع قال كل شيء .. وبدون أن تنبس .. موافقه وتم كل شيء وكما أراد .. مجهو .. يشرق كل صباح بدنيا جديدة . – قالت له : أريد أن يكون زواجاً هادئاً .. كالحلم .. نجد فيه أنفسنا .. نلملم ما تبعثر من أحلامنا ..الأضواء .. الضجيج .. الضحكات الكاذبة .. الغناء للمناسبات .. السيارات .. الأبواق .. نضيع على ما حلمت أن أفعله . – ألا تريدين أن نسافر .. بعيد عن كل الناس .. عن كل شيء . – لا .. لماذا نهرب نبحث عن الهدوء والسعادة والراحة ولدينا القدرة على خلقها . الأشياء تتكون يا عزيزتي أول ما تتكون في الداخل ثم تخرج إلى حيز الوجود .. يجب أن نملك الوقت . – أتريدين أن تستعبدين الذكريات .. ترينها في كل مكان . – نعم بهذا المفهوم .. أريد .. الا أحس بالبعد بيني وبين أماكن الذكريات أود أن أمحو الذكريات كفكرة لاستبعادنا .. أن نعيشها متى نشاء .. وكيف نشاء ونمضي لنعيش غيرها .. ولا نتذكرها. حاجباه يرتفعان . قلب متكوم .. ليضمها روحاً رائعاً. تحت شجرة نادرة .. افترشت العشب الأخضر .. ارتفع بنظره إليها .. مستلق على الأرض. – ألا زلت مصرة على أن تنبت هذه الشجرة ؟ أل تؤمنين بعامل التربة والبيئة والجو.. الخ قالت وهي تمسك ورقة من أوراقها بحنو زائد : – أعرف ذلك ولكن المحاول في خلق شيء جديد يضاعف لذة النجاح بعد تحققه. – أنا معك في النتيجة .. أما في الخطوات ؟ قلب شفتيه .. علامة الشك. ثم أردف: – الذي أعرفه إذا لم يوجد الجو الصالح فإنها ستموت . – ستموت .. ستموت .. لماذا نزهق أنفسنا بالنظر في النهاية .. معرفتك للنهاية يفقدك طعم المعايشة لكل شيء .. نوع من التنغيص .. كدر أي كدر – النهاية عندي .. إشارة حمراء تلوح من بعيد إما لتبديل سيرنا أو التحسين منه. – ألست معي في أن هذه الشجرة ليست تقليداً للآخرين .. والنجاح فيه أليس هو التحسين الذي أعنيه.. والنجاح .. آه ما أروع الوصول على النهايات المبدعة. تناهى إليها عن بعد . صوت طفل يبكي بحرقة . استوى في جلسته .. اهتزت .. اقترب منها .. أمسك بها .. رفع رأسها .. أغمضت عينيها .. ثم التفت برأسها فوق كتفه .. همس : الطفل . أليس كذلك؟ سنة كاملة .. مرت .. دون شيء – الهمس يتعالى – حتى أنا أيتها الحبيبة .. لي شوق مجنون .. حنين جارف لطفل .. يحيل هذا الهدوء الذي يقتات على أعصابي إلى صراخ .. بكاء أحس فيه معنى الحياة .. لي رغبة تكاد تنزف من أصابعي كلما أمسكت بطفل أقلبه .. عندي احتواء هائل قدرة على ضم جميع أطفال العالم . ولكن .. أه . ومسحت وجهها المفرورق بالدموع .. شاهدته .. حرمان الحياة .. وخيبة شطر من أحلامه في كل جزء من وجهه .. كميات هائلة من الحنان .. أبوة تنبع .. لكن لا مصب. أحست أن القدر .. اختارها لتكون واحدة من نساء كثيرت … بلا أطفال نعم .. عليها أن ترعاه .. فما هو سوى طفل كبير .. يبكي في صمت .. سنة كاملة ليست مقياساً للمعرفة .. ولكنها عرفته قبل أن تتزوجه .. في أحلامها .. في ثنايا عمرها .. منذ بدأت ترسم لها كبقية الفتيات فارساً لأحلامها. – إهدأ يا طفلي العزيز . ضمت يده الكبيرة بيديها الناعمتين الصغيريتين. رنين التليفون يقطع الصمت .. يخرجهما من دائرة الحزت .. وتجر خطواتها إلى الداخل تعود .. تقف .. تبتسم .. ينزاح عنها كابوس ثقيل .. تشاهده يملأ جردلاً بالماء ويسقي به شجرتها النادرة . صاحت بصوت منغوم بالحب .. أهكذا .. بهذه السرعة تتحول عن أرائك ؟ أين عوامل الجو .. البيئة .. التربة .. التربة الصالحة.. نظر وكله حنان : نسيت أيها الرائعة أن الحب يخلق كل شيء وأن المحاولات تهزم المستحيل. 22/04/1393هـ 25/05/1973م
0 تعليق