تقاطر الناس .. وقفوا بنظام عجيب . الواحد تلو الآخر .. خّيل إليه وهو إبن تلك الأرض التي لا يشك ولا لحظة في أصالة جذوره الضاربة إلى عمقها أنه يعيش حلماً .. أم أن الصحو لا يلبث إلا أن يداهمه فيفيق على كل الحقائق التي يعرفها ويعيشها لحظة بلحظة.؟ إستدار مرات عديدة .. فإذا الوجوه .. سمات تبحث لها عن مكان .. تبحث لها عن هوية.. تبحث لها عن هدف . لم تجد شيئاً .. إلا أنها لم تيأس . الوجوه لم يطرأ عليها التبدل . قبل مئات السنين كانوا يتجمعون في نفس المكان وبنفس الحماس .. كانوا مجموعة من الفرسان .. أما الآن فهم مجموعة من المرددين . الآن هم جوقة التصفيق. ينبعث الهدوء في الأماكن .. يشيع جمالاً غير معهود .. الإبتسامات موزعة بين الأحاديث ومضغ لبان يبيعه صبي لم يتجاوز الثامنة من العمر .. الصبي يغمز بعينه وهو يحلق بأغلظ الإيمان أنه يمنح من يبتاعه القوة والشجاعة .. وجدتهم جميعاً – بلا استثناء – ميضغون . قدمت نفسي للحارس . لم يطلب مني ما يثبت شخصيتي كما هي العادة المتبعة في مثل هذه المناسبات . بأدب جم .. أغمض عينيه . حنى هامته .. وبحركة مسرحية أشار لي بالدخول .. ولجت بين الحشود المتراصة .. صعدت سبع درجات إنكشفت لي الأرض .. خضراء .. الأعلام ترفرف في كل زاوية .. المكان رحب الجماهير الصامتة تمنح بعزوفها عن الحديث جمالاً موحشاً .. هو جمال لم أعتده . استمتعت به بداية إلا أنني أرفضه إستمراراً .. أرفضه سمة معينة. أخذت من أحدهم صحيفة سيارة .. تصفحتها .. في صدر صفحتها الأولى خبر هذا اللقاء الهام . يليه تحليل إخباري عن اللقاء وفي أسفل الصورة كانت صور الفريقين بالألوان .. تجريه صحفية رائدة وخطوة متقدمة لم تجد الصحيفة لها أعظم من هذه المناسبة .. الصفحات الداخلية امتلأت بالتوقعات والجوائز الضخمة. في عمود مسلول جاء ما يلي : – ان قرية نائية تفشى فيها مرض الكلب .. أين هي ؟ ماذا حدث بأهلها هل ؟ كيف ؟ لماذا؟ – إن شاعراً سوف يقيم هذا المساء أمسية يتحدث فيها عن . هذا المساء – صوت أحدهم يأتي من بعيد – أراهن على حياتي إذا وجدت شاباً خارج هذا المكان. أما الخبر الثالث والأخير فكان عن إقامة جمعية لتقوية الشباب في لغتهم .. كتب فوق الأخبار الثلاثة بخط بارز ((أخبار محلية عارية من الصحة)). في الصفحة الأخيرة كانت صورة ضخمة لحكم اللعبة وصورتان سغيرتان لمساعدي الحكم . في أسفلها إعلان يهم الجمهور الكليم ع تغيير جديد لخطة السير .. وقد أخذ في الاعتبار الكثافة العددية للسكان القادمين .. أما السكان المغادرون فقد سحبت منهم جميعا ًرخص القيادة بتهمة إساءة إستعمالها والير على يسار الطريق مما يسبب الكثير من الحوادث . صديق بجانبي لكزني بمرفقه .. اعتذر بعد ذلك قائلاً : أصبت بالغثيان وهذا الدخان يزيد في تعميتي .. يمنع عني الرؤية .. بودي تركه لكنه لا يتركني . ابتسمت في غباء فطري .. طويت الصحيفة ونظرت إلى الأعلى (اجتماعية . فكرية. سياسية) شعارها الصدق قبل كل شيء وبعده . كذب في كذب .. الحكم هو .. هو . لم يتغير . نظرت إليه وهو في قمة إنفعاله . عرفت أخيراً أن الحكم يمت إليه بصلة قرابة. مسح بمنديل نظارته .. وضعها في مكانها فوق أرنبة أنفه ، مناديل الورق .. شجعوا الصناعة الوطنية .. قبل أن يكمل قراءة العبارة ركل أحدهم علبة المناديل المطروحة أمامه بقدمه الناس أمواج تترنح ذات اليمين وذات الشمال .. صامته تأكل من هذا العشب الأخضر كل ليلة .. أدمنته .. قليلاً زخات من مطر قادم من الجنوب .. مطر ربيعي يتساقط فوق الأرض .. تلامس نظراته التائهة وجوهاً مشدوهة بلهاء أعلن المذيع بصوت مملوء بالماء عن وصول الحكم ومساعديه .. وابتدأت اللعبة. انتظرت كالعادة أن يشارك في اللعبة فريق ضد آخر .. نظرت إلى ساعتي إلا أن أحدهم همس لي وكأنه يدلي بسر خطير ألا تعرف الأصول ؟ إستدرت إليه مستفهماً .. قال مكتشف الشمس : ساعة الحكم هي الصادقة . أصابني الشك في تلك اللحظة من سلامة نظري إلا انني تيقنت من ذلك حين رأيت الحكم عارياً .. أعني من الساعة والدقائق والثواني. فجأ .. إذا بصوت لا يعرف مصدره إلا أنه صوت من خارج الملعب .. تهدر الصافرة .. يبدأ الحكم اللعبة .. الجماهير ترقب شيئاً ينظر إليها الحكم .. يستحثها على الانفعال. ذلك الرجل .. من يمت إلى الحكم بصلة .. يصفق .. فيصفق من بجانبه يسري التصفيق.. تتحرك الجماهير .. ثابتة على مقاعدها .. بدأت تهز أرجاء الملعب . إلا أن الصافرة المجهولة تخرس كل الهتافات تعود مرة أخرى .. يحني الحكم – وكان طويلاً – جذعه.. ينقل الكرة لمساعده ينطلق بها نحو المرمى .. تقف الجماهير مذهولة .. تنسى أنها أمام لعبة غريبة .. اللعبة القديمة الجديدة .. يصرخون بصوت واحد .. هيا تقدم. سجل هدفاً .. طال بنا الانتظار. يلج .. يلامس الشبكة العذراء .. كان هدفاً رائعاً .. انطرح .. غضب الحكم أخرج من جيبه بطاق حمراء .. أخذ يدور با أمام الجماهير .. وقفت بين الناس .. لا زالوا يتابعون اللعبة باهتمام خرجت .. لم أجد أحداً يعيرني أدنى اهتمام . في طريقي لم أجد أحداً .. سمعت صوت المذيع يعلن ، أن البث سوف يكون بدءا ًمن هذا اليوم بالألوان.
0 تعليق