البقة المشمسة

24 نوفمبر، 2011 | الحكاية تبدأ هكذا | 0 تعليقات

خرج من منزله الملتصق بالأرض . هناك في قاع المدينة النبض الذي لا يتوقف .. مارس كل شيء .. أزمنة مختلفة ولم يقتنع من كل الأفعال السابقة المتفجرة عقب توقيت معتمد.. لا لأن الفعل نفسه لم يحقق الأمل المرجو .. لكن النتيجة النهائية كانت أقل من توقه الكبير.. أصغر من أمنيته .. أضيق من مساحة حلمه .. بدأ من جديد .. يخلق توقيتاً جديداً مناسباً. أغمض عينه حين رأى صديقاً يمتطي عربة – جميلة – وإلى يمينه في الطرف الآخر تقبع امرأة ملتصقة بمقعدها .. متصلبة الجسم والنظرات .. تتشاغيل عنه بالنظر إلى موطء قدمه .. سنة واحدة فقط .. وأصبحت السماء تمطر مالاً وفيراً التقط صحيفة يومية من تحت قدمه .. استلمت منها صفحة الرياضة وكانت بتاريخ اليوم .. قرأ .. (خبر طريف ..  في منطقة واحدة من العالم وعلى خط من خطوط العرض واحد وخط واحد من خطوط الطول واحد ، ماتت قرية من العطش وقرية أخرى من الفيضان). سنة واحدة .. والسبب بيع التراب .. بعد سحابة من غبار أثارها عن غير عمد صديقه القديم .. سنة واحدة في عمر هذا الزمن الموبؤ تحوّل الذهب والتراب ليصبحا في ميزان واحد.. وبقيمة واحدة . إنبثق أمام عينه المقياس بين القاعدة وقمة الهرم لا على اعتبار المعنى الحقيقي للأشياء فهذا المعنى قد دفن حين إنطلقت حمامة بيضاء تعبر عن هروب الإنسان وانهزامه .. أما الحماة السوداء فلا يمكن أن تترك الأثر نفسه وإلا لاختلفت المقاييس وبرز في النهاية (خطأ شائع) . ضحك في داخله فقد أثبت أخيراً .. أمام نفسه .. أنه المجنون الوحيد الذي لا زال يتشبث بجنونه عن وعي مسبق .. أن تطلب لك حقاً في هذا الزمن المنفوخ لا بد وأن تعبر جسراً من الذلة والمهانة أقول حقاً لك .. ولعل وربما. وصل إلى ركنه حيث اعتاد كل عشية أن يمضغ كلاماً عن ذكريات يراها حين يقعد وصاحبه خلف تجاعيد تروي الحكايات عن الزمن القديم زمن الصدق والمحبة . كان من بين رفاقه يؤثر الإنعزال عن الناس .. يرسل نظراته بعيداً .. يستلهم من وجه محدثه مدى الصدق .. يحدثك وينظر إلى الأفق .. أيرى شيئاً خاصاً به ؟ ها هو يصب حديثاً يرغب دائماً أن يكون متكاملاً .. أما صحبه المنتثرون داخل هذه الحياة من تاجر وموظف فقد تبدلت أخلاقهم بتبدل مراكزهم بنسبة عكسية .. لم يبق من أصحابه الذي يأنس إليه بالحديث والأفكار ونوبات الجنون العاقلة كما يسميها سوى بائع العطر .. نفس تجارته القديمة .. مازال يعشقها كما يعشق هو الكتب . وكانت ليلة طال فيها السهر في المدينة الكبيرة .. فجأ انقطع النور عن المدينة وأطل القمر .. يضيء بلا مقابل .. لا يختلف عن موعد ولا يطالب بثمن عندها التفت إليه صديقه قائلاً : –    أيمكنك ممارسة الحرية في ضوء معتم ؟ وعلى افتراض حدوثه وإزالة جميع الملابسات المرافقة لذلك .. فمن يراك ؟ –    من يراني ؟ سؤال مردود . بل سؤال غريب .. ماذا تعني رؤية الآخرين لي في مثل هذه الحالة الشاذة على اعتبار أن القاعدة العريضة تعيش في النور لكنها لا تمارس حريتها .. بل لا تستطيع . –    من هنا كان سؤالي .. فالانكفاء ليس نجاحاً بل هو الانحدار وهو رحلة فريدة رحلة إلى مزيد من العتمة . –    لماذا لا تقول : إلى مزيد من المجهول؟ –    إذاً فأنت تناقض نفسك .. الحرية في ذاتها مدرك معلوم .. شمس مضيئة .. لا يمكنها أن تغيب الطريق المؤدية إليها قد تكون مجهولة باعتبار العوامل المحيطة .. لذا ينتصب سؤالي من جديد .. من يراك ؟ –    على افتراض أنني سلمت لك بهذا – أقول افتراضاً فقط – فما هي الإيجابيات في ذلك. بمفردي أضمن على الأقل أنني لن أخون نفسي .. لن أخدعها .. لن أخذلها .. وصدقني أنني أختبر نفسي بين أونة وأخرى لكي أتأكد بأني لا أعيش حالة إنفصام الشخصية هذا مع نفسي .. إنما مع الأخرين .. ما هو الضمان؟ نفسية هؤلاء البشر خلقت من قوس قزحي تختلف ألوانه بشكل لا يتيح لك أن تلمس الفارق الدقيق بينهما أو تشعر بالحد الفاصل ، وسوف تدهش للانتقال المفاجىء .. وهو شعور متأخر يفقدك طعم حدود الأشياء . –    الذي أعرفه الحرية درجدة من درجات الكمال .. كمال في المبدأ وكمال في الخطة وكمال في الهدف ، فإذا كنت تنشد ذلك حقاً فأنت لا تعيش منفردا ً .. فلست (روبنسن كروزو) جديد يحاول في جزيرته خلق ممارسة تطبيقية للحرية بمفرده .. (روبنسن) نجح لأنه سخر الجماد لمنفعته أما الحرية فالنجاح فيها لا يتم إلا مع الأفراد. –    ومن قال لك كأنني ممنفرد كما تدّعي .. ليس لي جزيرة .. هؤلاء الناس .. الأهل الأصدقاء .. هم الجزيرة والسكان .. أما بالنسبة للآخرين فيكفي أن أتعامل معهم صبح مساء .. تربطني بهم نسمة هواء واحدة كسرة خبز تسقط من أيدي الأقوياء ليتخاطفها الناس ورثائي لمن لا يملك سوى يد واحدة . ألا يمكنني بين أهلي وأصدقائي أن أبدأ الخطوة الأولى .. قد أواجه الفشل إذ حدث فسيكون فشلاً محدوداً . –    يتضح لي أنك ترفض الهزيمة المعلنة .. وأنا معك إذا كان رفضك لها بداية لأنطلاق جديد .. وقد يقف السؤال أ:ثر إلحاحا ً.. هل تواجه معارضة حقيقية بين الأهل والأصدقاء على اعتبار أنك طرف يطرح فكرة وهم وطرف آخر يناقش هذه الفكرة .. يقبلها .. يرفضها وفي كلا الحالتين عن اقتناع . هل يمكنك على حد سواء إغفال هذه الصلة بينك وبينهم وما تستتبع هذه الصلة من تنازلات قد لا تكون من جانبك .. لكنها بالحتمية ستكون من جانبهم ولو على اعتبار واحد ملزم .. هؤلاء يفقدوا إبنهم أو صديقهم . وهذا الفقد لا يشترط أن يكون مادياً إنا هو بالضرورة فقد معنوي . –    إذاً فأنت لا تزال تطرح فكرتك الأولى وهي أن لا بد لي من الخروج إلى حيث بقة الشمس حيث يرفع الشجعان وجوههم ليحاولوا رؤيتها .. لكنهم سرعان ما تنطفئ عيونهن .. وتسود وجههم ويعودون إلى الظل مرة أخرى .. هي تجربة جديدة بالنسبة لي الذي آمله ألا تنطفأ عيناي فأنا على يقين أنني سأتحسس لساني فلا أجده .. وهنا الكارثة . –     ولماذا تفترض هذا الضعف في عيون الناس ؟ لماذا تفترض هذا المرض في عينيك ؟ الشعور بالهزيمة قبل حدوثها هو البداية الحقيقية للهزيمة التي لم تولد بعد .. لم الخوف؟ –    الخوف – الجميع عقلاء .. وأنا ؟ أنا لا أفترض في الناس الضعف والمرض . إنما أطلب شيئاً واحداً هو .. ماذا أمامك ؟ ومن خلفك ؟ فإذا استطعت الإجابة على هذين السؤالين فسون أكون في وسط البقعة المشمسة . مرق أما المتجر رجل كبير السن يكاد يتساقط . عمراً متراكماً يمسك بيده رجل أعمى لم يعرف من يدل منها الآخر الطريق . •    ما قبل النهاية .. أضيء النور .. عاد صاحبنا إىل منزله في قاع المدينة أضاء فانوساً صغيراً وكتب ((أعمى يقود بصيراً)) .

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *