النجم والحذاء

24 نوفمبر، 2011 | الحكاية تبدأ هكذا | 0 تعليقات

مثل برميل كبير فارغ .. يسقط السؤال فجأة .. يحدث في داخله دوياً .. جعله يعدل من جلسته فوق قطعة الخشب المستطيلة : وماذا بعد ؟ نظر إلى حذائه الأسود الضخم .. لمس فوهة البندقية ذات الحديد البارد .. أسندها إلى جانبه شبك أصابعه .. قذف بيديه خلف رأسه مستنداً .. تداخلت الخواطر .. غادر المكان .. ما خلاا جسده

. حين قامت لتوديعه .. كانت وسط أهله .. لم تملك التعبير عن شيء .. عيناها موج متلاطم .. الحركة تصاعدية .. الحلق يضيق .. الرغبة الزمان . لمسة من اليد .. نظرة حنونة .. قبلة .. نعم قبلة واحدة .. لا يهم الموقع .. إلتفت إلى أسفل القدم الحافية .. أطراف سوادء من أثر حناء ليلة عرس قريبة. عض فوق شفته العليا .. يسمع صوت زميل له من نفس القرية يردد أغنية يعرفها .. وصلت إلى القلب الذكريات لتزيده رغبة في الغوص إلى تلك الليلة حيث استحالت إلى شريط يبهت حيناً بعد آخر . رقص كثيراً .. استحال جسده إلى فعل راقص وإيقاعات ، الخطوة (1): تطير به .. وتنخفض .. يكاد يقترب من الأرض .. يرفع نظراته إلى الوجوه المنفعلة .. ويعود الإيقاع المتوتر من جديد .. نال منه التعب وتلك ليلة عرسه ..هي .. نال منها الجهد والتعليقات السمجة الخوف .. البيت الصغير .. والسكان كثير .. وواحدة من أهلها تطمئن عليها .. من يعرف ؟ أيغالبهم النوم .. ها هو الصمت يسري .. يسكت كل شيء يفقده الحركة .. يلمس الأجساد فتظل هامدة من كل حركة إلا أنها تسمع .. تحول المنزل في تلك الليلة وسكانه إلى اذن كبيرة .. الأم .. الأب .. ثلاث بنات .. أخواته يكبرنه ويعرفن كل شيء .. يترقبن .. وامرأة عجوز .. تنتظر صرخة واحدة .. صرخة مبتلة بالعرق والدم .. لتعرف بعدها أن الخطوة من أهل الفتاة ستكون من نصيبها .. تخبرهم أن الأرض بكر .. يفرحون كثيراً . أما هي فستغلق عينيها .. تتذكر الأمطار الموسمية حين كانت تهطل وتبلل جسدها .. هذا الجسد المملؤ بالتجاعيد . قال لها : لماذا أن باردة هكذا ؟ نظر إلى مؤخرتها .. أدارها .. رفعها إلى كتفه .. وضع خده فوق الوجه الأملس .. ضغط .. أغمض عينيه .. فتح عينه اليمنى .. ركز بنظره خلال الفتحة الضيقة .. يتابع هدفاً متحركاً . قد يكون وهماً .. وصل إلى النقطة … ضغط بسبابته فوق الزناد .. صدر صوت صغير أعادها إلى جانبه .. أدرك أنها لن تصل إلى ذروة الحرارة والدفء .. لابد من ذخيرة .. تنهد برر لنفسه قائلاً : ليست سوى بندقية للحراسة . لم يكن يتصور في يوم من الأيام أنه سيرتدي مثل هذا الزي .. هذا المعطف والبنطلون وفوق ذلك كله غطاء للرأس .. مرت في خاطره صورة .. إضطرته للإبتسام .. لو رأته تلك الحبيبة النائية .. هناك في قريته الجبلية .. سوف تنكره حتماً .. تحس بيده كل هذه الملابس .. أدرك أها واسعة .. سيحاول جاهداً أن يجعلها على قياسه .. فهو ضائع في داخلها .. لكنه ما لبث أن عدل عن فكرته لأنه في خلال الأسابيع القادمة سيشعر بإعتدال الصحة ، كثيرهم أولئل العائدون من المدينة يراهم وقد إنتقلوا من حال إلى حال .. حمرة في الوجه .. وبياض في البشرة . الطعام النظيف .. وشيء من الراحة .. لولا هذا الخاطر يلح عليه طلباً بالعودة .. إلى أبيه .. إلى أمه .. إلى قريته .. خاطر ينتزعه من كل هذا الصخب .. يرجعه إلى ضوء فانوس صغير عميت زجاجته من دخان متصاعد .. يرجعه إلى بقرة حلوب ستصاب بالإعياء يوماً ما.. وضرعها المليء  بالخير سيتعذر فأهل القرية جميعاً يصل إليهم خيرها.. اللبن .. الحليب.. الزبدة .. السمن .. وحين تذبح ستقطع إلى أجزاء متساوية .. تتوزعها الأفواه. فارق كبير بين الحلم والحقيقة .. لا بد وأن يكون كذلك . المسافة بين الحلم والواقع موجودة ومتناسية .. ويمكن تحقيق الحلم حين يكون الحالم نفسه مؤمناً بنظرية الأخذ والعطاء. لكن أحلامنا كبيرة .. غير معقولة .. أحلم أن سيكون لي منزل نظيف على الأقل مثل منزل رئيسي ، وسوف أقدم لمن يهمه الأمر تنازلاً خطياً .. أبصم عليه بأصابعي العشر.. ولا أطالب بايجاز غرفة للسائق وغرفة للخادم وصالة الطعام وغرفة لعب الأطفال وغرفة الملابس.. سألغيها من دائرة حلمي .. ألغي بركة السباحة والملاحق .. وأرضى بغرفتين واحدة لي والأخرى لضيفي ، أحلم بتحسن داخلي ليغطي الغذاء والملبس والدواء .. يجلب السمة لأطفالي وأضع في صندوق صغير بعض القروش البيضاء . أحلم أن تكون قريتي مضاءة والطرق إليها سالكة وبها مستوصف فأنا أدرك أن أهل القرية لن يستطيعوا جميعاً اقتناص مثل هذه الفرصة الذهبية ليصبحوا جنوداً للحراسة في فرقة المطافيء. الأماني .. محدودة .. الحقل الصغير .. المنزل .. المرأة .. إلا أن الحياة ذات إيقاع سريع غيرت الكثير من الأفكار والمبادئ .. والكثير من الأحلام. الزراعة لم تعد تعني شيئاً أصبحت الأجور المصروفة على العامل تلتهم الربح .. تهز رأس المال ، والمدينة غول يبتلع سواعد الشباب.. وهجرة رأس المال الجشع استهدفت المزارع كاستثمار عقاري مقتدر .. حتى تلك الفئة من المزارعين الأذكياء أصبحت تقدم في طلباتها لمديرية الزراعة الحصول على محرك يرفع لماء شريطة أن يصلح في الوقت نفسه كمولد للكهرباء .. مات اللون الأخضر في السهول المنبسطة واشتعلت الأنوار الحمراء والصفراء فوق منزل واحد في قرية معلقة. ألم أقل تغيرت الكثير من المبادئ والأحلام .. وأصبحت الزراعة ترفاً يمارسه الأغنياء الدخل كثير ومتنوع .. وأصبح لمال والحصول عليه تجارة مربحة لمن يملك القدرة على التحكم في الطرق والضمائر. عادت إليه هاجساً .. ها هي على البعد ترقب عودته محملاً بالذهب والكسوة والأثاث أيتها المدينة الموحشة .. كم يخشاك الإنسان .. يخاف من مواجهة الأشياء .. برغم الضياء الذي يملأ الشوارع .. رغم الإبتسامات .. الضياع في المدن الكبيرة .. الخوف في المدن الكبيرة .. وحوش لا ترحم .. ها هي أكوام القمامة مليئة بالأطعمة الطازجة المدهشة ترف لها العين .. فلا كلاب .. لا غبربان .. ومع ذلك فالاقتراب محرم وكريهة في نفس الوقت. *** حين دخل إلى المركز ليسجل نفسه جندياً .. قال له عريف ممتلئ البطن إثر عطسة كبيرة: معك تابعية ؟ .. أخرج العريف منديلاً اكتشف بعدها حين تعرف على الأشياء أنه لم يكن سوى قطعة حمراء يمسح بها سيارة الأجرة التي يمتلكها. هز رأسه .. أخرج دفتراً صغيراً .. أصفر اللون .. ناوله أياه .. نبت القلق في داخله : أيمكن أن يكشف الكذب في حقيقة العمر ؟ .. أيكتشف السنوات الخمس التي زادها ليتمكن من الالتحاق بالوظيفة .. سأله العريف : أتقرأ ؟ تشجع قليلاً .. زم شفتيه .. قال بعد صمت : أفك الحرف . لم يهتم العريف بكلامه كثيراً .. وبصوت مرتفع ظل يتهجى خانة العلامة الفارقة ببطء شديد ((جرح صغير فوق شفته)). كرر النظر اليه .. حدجه لمدة من الزمن .. أدخل أصبعه في فتحة أنفه .. قذف ما علق بها في الجدار المقابل .. عطس .. وصع يده فوق شاربه .. حرك كرسيه مرات عديدة قال له هو يشيح بوجهه متابعاً حركة العربات الماقة من خلال النافذة المكسورة بلهجة المكتشف لكذبه: –    لكنني أرى الجرح أكبر ممما هو عليه في الصورة .. –    الصورة قديمة .. يا عريف . قال له العريف .. ولا يزال ينظر الى الشارع بلهجة تشوبها السخرية : –    ما شاء الله . تبارك الله . إذاً فالجرح يكبر معك؟ –    كان في السابق حسنة صغيرة .. أما الأن فقد تحول إلى جرح يكبر يوماً عن يوم ، وخشيتي أن يأتي يوم من الأيام أفقد فيه فمي .. سحب العريف الكرسي .. أحدث صوتاً مزعجاً : –    ولماذا تريد الالتحاق بالوظيفة ؟ –    لأصبح مثلك .. كالملسوع استدار .. صرخ في وجهه وهو يضحك : –    عريف .. أنت متفائل .. أتعرف أحداً في المركز ؟ في الدائرة أو خارجها ؟ المعرفة هلي كل شيء .. لكن لا بأس فأنت تستحق المساعدة . رفرف في داخله غراب أسود .. الصدقات .. المساعدات .. الهبات .. المنح أي تفاهة واستعلاء داخل هذا الرجل .. أليس هذا الوطن ملك الجميع .. وثروة هذا الوطن ملك الجميع .. سمعنا الكثير .. الكثير .. لم نر شيئاً . استلم حراسة المبنى بعد أن تلقّى التدريب .. اختصر بعدها كثيراً من أحلامه . مثل برميل كبير فارغ .. سقط السؤال فجة .. أحدث في داخله دوياً .. جعله يعدل من جلسته فوق قطعة الخشب المستطيلة .. داخل كشك الحراسة : تريد بعد ذلك ؟ –    لا أدري .. أعرف أنني لم آخذ شيئاً . مع كل ما أخذت. فالقادمون من وراء البحر .. يربحون بسرعة .. يأكلون أكلاً نظيفاً .. يلبسون ملابس زاهية .. يركبون عربات تلمع. ماذا يعملون؟ لا أعرف .. غلا أنهم لم يحدثوا شيئاً جديداً .. لدينا القدرة على الإتقان أكثر منهم بل أفضل .. ما الذي يحدث .. أتراهم يعرفون ما لا نعرف ؟ هذا سبب وجيه لكن السؤال المحزن: لماذا لا نعرف ؟ بقدر العطاء يكون الأخذ .. كلمة قياسية صادرتها الحضارة الحديثة .. حضارة الأقنعة والرشوة والواسطة والتناقض حضارة الانحناء القسري في كل الحالات .. ما هي الحدود ؟ ما الممنوع وما المسموح ؟ ما هو الحلال والحرام ؟ الصدق والكذب ؟ الأنف والذنب؟ ربما يحدث ف ينفس الزمان واملكان .. بالأبطال ذاتهم أن تنعكس الأشياء .. لا دهشة فعادة ما تكون المبررات جاهزة .. لا استغراب فالمسببات تسقط من الأفواه محفوظة تتلقفها الأذان ، تبتسم لها الشفاه .. ندرك خطأ الفعل القادم ونمارس شذوذاً أكثير نفخر لبعضنا البعض.. نردد الصوت واحد : هذه المرة فقط وبعدها تثمر التوبة ، تساقطت أشجار النخيل واحدة إثر أخرى وأكلت القطة صغارها الخمسة . يحدث هذا كل يم .. تختلف الأساليب .. يختلف المنفذون والاستمرار ف يالخطأ يولد القناعة بصحته .. كيف ؟ لا أحد يعرف. عرفت أخيراً بعد أن قال لي صديق : إرتفع سعر الدوجن . إن اللحوم المثلجة ستملأ الأسواق. فراشي صغير .. أنام فوقه كل ليلة .. تحول إلى واقع أمارس عليه الحلم .. أصبح هون المساحة والبعد .. هو المنطلق والعودة .. رمادية كل الألوان. تعلم كيف يأكل الجبن .. يشبع مرة في الأسبوع ، ينام ليحلم بالقرية والحبيبة وبالبقرة الحلوب. سرى الدفء في أوصاله .. عدل من جلسته للمرة الثالثة فوق قطعة الخشب سمع صوت عربة وقف محركها .. نهض .. أمسك بالبندقية .. سحب سترته إلى الأسفل استعد .. حين رأى نجمة تلمع أمامه .. بحركة وظيفية تلقائية .. رفع يده بالتحية وبقوة متناهية ضرب الأرض بحذائه . الصوت كان أكثر وضوحاً .. فقد وضع تحت قدمه قطعة من الخشب .. عندها سيكون الصدى في الأذن مسموعاً .. يصل إلى القلب .. يحدث النشوة .. ضربة بالحذاء لكثير من الناس تعني لهم الاحترام والتقدير .. بدت على وجه الضابط الصغير المتخرج حديثاً فرحة طفولية غمرته حين سمع صوت التحية .. لم يخامرني شك أنني كنت أول من قام بإعطائه إياها. أكد لي ذلك الشعور خروجه مرات عديدة من وإلى المكتب مروراً بي .. نجمة واحدة فوق الكتف الناحل .. الصورة بعد سنوات قلائل وقد تحسنت صحته . مدخل لنهاية مفتوحة : ارتبط في ذهني على المدى الطويل بحكم الممارسة تلك العلاقة المؤكدة بين لحم الكتف وعدد النجوم.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *