الحب والمطر

24 نوفمبر، 2011 | الحكاية تبدأ هكذا | 0 تعليقات

المطر ينهمر بغزارة.. الطرقات يملؤها الوحل . لا ترى شيئاً حتى الأبقار والحمير الضائعة واقفة هنا وهناك في مكان يقيها هذه السيول المندفعة من السماء .. صاح أحد الطلبة : أستاذ .. أستاذ .. الماء يدخل علينا الحجرة . قطع الأستاذ الدرس ، صاح بالتلاميذ الذي بقرب الباب أن يرفعوا البساط لئلا يبتل .. كنت أحدهم .. قفزنا بسرعة ..

نترقب بين آونة وأخرى مجيء المراقب يعلن العطلة كانت فرحتنا تزداد عندما يأتي موسم المطر ونحن في المدرسة .. سنفوز بعطلة طويلة ما دامت الأمطار. المنازل الطينية لا يمكن أن تكون مبعثاً للطمأنينة في مثل هذه الأحوال .. دقائق .. وصل المراقب همس في أذن المدرس كلاماً .. عرفنا ما يقصد .. جمع المدرس أوراقه التفت إلينا قائلاً : فيدوس. وما هي إلا دقائق حتى كنا بباب المدرسة الكبير .. ضاق بنا .. إبتلت ملابسنا .. تجمعنا في الساحة الكبيرة أمام المدرسة .. انطلقت الأصوات في نغم واحد : (يا حنان ، يا منان – يارب تسقينا الغيث ، وتسقي جميع المسلمين ، يا مولانا ، لا تناسنا ) فتحت النوافذ القريبة .. يطل منها رأس امرأة أو رجل .. الألسنة : هيا إلى بيوتكم .. استرحموا ربكم. وصلت إلى المنزل بعد أن تفرقت بنا الطرق كل إلى داره .. كنت أعلم العقاب الذي ينتظرني سرت ببطء شديد شيئاً فشيئاً .. لكن لا أحد .. أين أمي ؟ ليست هنا ولله الحمد . خلعت ثوبي ، ذهبت إلى المطبخ . أخذت عودين كبيرين من الحطب ووضعتهما في التنور . اشتعلا . جففت ثوبي . طافت بي أفكاري . انتقلت من مكان إلى / آخر . من زمن حاضر إلى ماضي إلى مستقبل .. صادفت الكثير .. مررت بهم .. قدرة على جمع المكان والزمان وحصرهما في لحظات ذهنية .. لكن دونما تركيز أو صفاء.. توقفت عندها (هدباء) أه يا عيني على هدباء . قامة وحلاوة .. وأدب في البيت مثل الدرة كما قالت لي والدتي .. فهي لا يهمها من البنت غلا كونها تعرف تطبخ وتنظف البيت . آه هدباء . فوق كل هذا أعرف أنها تقرأ وتكتب ومعها الأن شهادة سادسة .. تسبقني بسنة واحدة.. على الله . الصبر طيب ضحكت والدتي مرة حين حدثتها عن دراستها وقالت : (الحرمة حرمة .. تاليتها الرحى والبرمة) . آه يا هدباء .. يمكن أن تحبك ؟ وأنت ترى أحمد وناصر وسعد يحومون حولها . لديهم من الملابس الجميلة ما يعجز والدتك المسكينة أن تجلب لك مثيلها .. وأنت ترفض الملابس التي يعطيها أهل الخير لوالدتكم .. لأنك كما قبلت : أشبهت والدك . لا تحب أحداً يتصدق عليك حتى تموت من الجوع . لكن والحق يقال أحس بدفء اسمها عندما أنطقه . لا بد من مضايقتهم . أنت لن تخسر شيئاً .. ربما أغضبهم ما سوف تصنع وهذا ما تريده . هذا الثوب المغبر لا يصلح .. والثاني .. هذا الثوب الأسود هو أجملها .. الأخير من ممتلكاتك الممزقة .. لم يغسل منذ مدة طويلة .. ها هو السيل قد نزل الوادي .. توقف المطر غسله فوق السطح .. نشره .. تركه حتى أذان العصر . سوف أرتديه . أحاول المرور أكثر من مرة كما يفعل الآخرون.. ستقف بالباب .. ستشاهدني ربما حزت على إعجابها. سوف يدل ثوبي الأسود على الهدوء وسأرتدي الفترة البيضاء . لكن الحذاء لا أملك سوى حزاء مادة التربية البدنية . انه أجمل في نظرها من الحذاء الأسود اللامع سوف تقول في نفسها : هذا شاب رياضي ربما أعجبها . ستلقي علّي النظرة بعد النظرة . وبعد ذلك ؟ .. بعد ذلك أعود إلى المنزل والرب لم يخلق الدينا في يوم واحد . العياذ بالله من العجلة . انتهيت من غسل الثوب . طال انتظاري حتى جف .. ارتديته أوف يا للحظ التعيس .. ينقصه ثلاثة من الأزرار .. تذكرت في حقيبتي المدرسية مجموعة كبيرة منها . ها هي لكنها رمادية .. والثوب أثود .. هي لا يمكنها مشاهدتها من على هذا البعد ، نجحت محاولتي إلا قليلاً . خطتها بخيوط حمراء . ارتديت الغترة والحذاء . سرت في خيلاء . ما أطول هذا الشارع هل أركض . عيب ، أتركض ربما صادفتك وهي ذاهبة في زيارة . ستسقط هيبتك عندئذ، تمهل .. ها هو منزلها .. وها هي ضربات قلبك تزداد . ولا أحد سواك . الحمد لله . أصبحت قريباً من الباب سررت . لم تظهر . سأحاول مرة أخرى . سمعت سعداً أمس يقول : انه يمر عشرات المرات . حينما استدرت عائداً . رأيتها .. غزت أطرافي برودة غريبة.. ازدادت ضربات القلب أكثر من ذي قبل . كانت برفقة أمها سوف ألقي عليها تحية المساء . أعرف أمها .. تزور والدتي في بعض الأحيان .. تغسل لهم ملابسهم .. أصبحت بجانبهما . الطريق مملوءة بالمياه الموحلة أثر المطر . ألقيت بالتحية .. وقلبي يرتعش .. أحسست بظهري يتجمد . أنضح الأن بشعور لذيذ فأنا وهدباء قريبان من بعض . ليت والدتها تطلب شيئاً . سمعت صوتاً يناديني .. لم ألتفت .. حسبت أنني سبحت في ظنوني . سوف ألتفت صوت مصدر الصوت في عجلة (نعم) غير معقول ها أنا في مواجهة الأم وهدباء . –    هل والدتك في البيت ؟ . هدباء ؟ ليست هي إنها أختها الصغيرة وأمها .. الحمد لله سوف أعود . ستكون بمفردا . لم أكمل أحلامي حتى أصبحت منطرحاً على قفاي .. سقطت في الوحل .. امتلأ الثوب . ابتل انفجرتا بالضحك . تمالكت الأم نفسها وأخذت بذراعي وهي تواسيني .. وتطيب خاطري .. سلمتك ما حصل شر ، قمت ألعن هذه المياه ، عدت سريعاً إلى المنزل أغلقت الباب في عنف لأواجه والدتي : أكسر الباب ما الذي جعل ثوبك متسخاً ؟ وثوب المدرسة مبتل أيضاً . عرفت بعدها أنني سأذوق الوجبة الإلزامية .. تلك الوجبة التي لا تؤخذ عن طريق الفم .. بل على الجسد كله وبعصاً غليظة. الأمطار مستمرة .. الأيام تمر .. قابع في البيت أفكر في هدباء .. هل يمكن أن أعاود المرور على افتراض ذلك .. ستكون أختها لي بالمرصاد .. ستضحك كثيراً لو عرفت بالأمر. على غير عادة .. نظمت والدتي البيت .. أعدت مجموعة من الأرغفة . ملأت الإبريق بالشاي ، ولدلة بالقهوة . كان ذلك بعد إنتهائنا من طعام العشاء. لم أحاول أن أستفسر عن هذا النشاط المفاجيء لأن الإجابة جاءت (قم أطلب لنا من آل سعود .. حبتين من الهيل .. أم هدباء وبناتها سوف يسهرون عندنا) اولت أن أخفي فرحتي العظيمة باستمراري في الكتابة ، .. ألم تسمع أيها الأصم . قمت متذمراً .. وببطء مصطنع. إنطلقت كالسهم .. كان منزلنا في طرف الحي ومنزل آل سعود في الطرف الآخر .. لم يكن يرعبني سوى ذلك الشارع المسقوف الضيق الذي لا أملك طريقاً غيره .. لابد من دخوله ينتهي بي إلى منزلهم .. يقولون أنه مسكون بالجن .. ولجت إلى الشارع وأطرافي مثلجة من الرعب .. قرأت الفاتحة – المعوذات .. غنيت بصوت مرتفع .. سيرعب الجن هذا الغناء الذي يفتقد الراحة والهدوء . مررت بسلام . عدت بقليل من الهيل سأمرق مسرعاً خلال هذا المكان المرعب الفاتحة . المعوذات ليتيني أحفظ ياسين  والكرسي . فجأ سمعت صرخة شديدة .. كان نباح كلب مفزع . وصلت البيت مرتعش الأطراف والهلع يملأ تعابير وجهي . لابد أنه جني في صورة كلب .. إن الجن تأخذ أشكالاً كثيرة كما قالت جدتي .. نجوت . تناثر الهيل من الفزع . كيف يمكن لي اقناعها بذلك .. أنا في نظرها كاذب حتى في حالات الصدق . دخلت رائحة غريبة . عطر يملأ البيت .. أصوات حلوة . لقد وصل الضيوف . إذاً نجونا من العقاب. –    السلام عليكم . مساكم الله بالخير يا لله حيهم . أهلاً وسهلاً .. وبعد السؤال عن الحال جلست في ركن المجلس الأم في مواجهتي .. وهدباء وأختها الملعونة لم تستطع أن تكتم ضحكتها ، تجلسان بجاب أمهما. –     ما شاء الله يا مسفر . في أية سنة أنت . –    السنة الخامسة وأبشرك بيشتغل في الصيف مع شركة نصارى. سألتني هدباء .. يعني تعرف تقرأ وتكتب إنجليزي  .. قلت بسرعة وأنا أرخي نظري .. نعم إنتهى الحديث وأنا أرفع رأسي من الخجل .. إنجليزي .. إنجليزي .. عرفت على أمر قالت والدتها .. يا مسفر غداً سوف يأتي إلينا ضيوف .. بودي لو جئت تشتري لنا فاكهة من السوق وسأهب لك (عطية) . على ذلك . اليوم التالي أسير في ثقة سعد والأصحاب يذهبون ويجيئون لم أحاول أن ألقي عليهم السلام . كنت أنظر إليهم في كبرياء . قرعت الباب . اتجهت إليهم بنظير وعلى شفتي ابتسامة .. فتح الباب دلفت إلى الداخل .. الخطاب الذي أعددته لها أين هو ؟ .. ها هو في جيبي .. سوف أعطيها إياه عندما أخرج .. لكن كيف ؟ ماذا أقول لها لم أحس وأنا بقرب الأم الأم بيدي تندفع إليها بها الخطاب .. أشرقت عيناها .. ابتسمت .. أه ما أجملها .. إذا ًالمسألة بسيطة . ظننت أنها سوف ترفض أو تغضب . قالت : ممن عسى أن يكون من سعد ، أحسست بشرح في صدري يؤلمني .. وخزة كبيرة في قلبي . من سعد ؟ خرجت مندفعاً ودموع تنهمر من عيني .. وصلت إلى المنزل لا أحد سو ىالنار الكئيبة تشتعل في الموقد ، ذهبت أحلامي أدراج الرياح. عرفت أن الحب شيء يحدث مرة واحدة ولشخص واحد ، أخرجت الخطاب من جيبي .. فضضت غلافه شاهدت الأحرف الإنجليزية .. لم أنم البارحة وأنا أنقل هذه الحروف من على جانبي علبة الحليب ، كت أود أن أكون شيئاً كبيراً في نظرها .. متفوقاً .. لم تكن كذبة بيضاء .. بل كذبة مريرة على نفسي . أشعلت الورقة ها هي النيران تأكل الأحرف .. وصلت إلى نهايتها (أوسلمي لحبيبك مسفر) بالطبع بالعربي هذه المرة . أيه لم يكتب أن تشاهدها .. جمعت الرماد عليها وكأنني أدفن أحلامي . 09/02/1393هـ.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *