((قريتي تسكن ف يالقفر وحيدة )) ضحك جذلاً .. امتطى تفكيره ونكص عائداً فإذا بالمواجهة الحقيقية للأشياء تستل منه الرغبة في إكمال القصيدة .. وحين أصبحت القصيدة كاملة في فمه .. أدرك أن الكلمات تغرق في لعاب مر ابتلع ريقه .. ونظر إلى صديقه .. يمتص في شبق طفولي سيجارته.. رغبة قديمة متكونة في الداخل .. مرحلة من المراحل النفسية لم يتجاوزها ..
تبريره لذلك دائماً أن الحدود لا تتغير وكانت مجموعة من الرفاق تقول بأنها يجب ألا تتغير بإعتبارها مناطق دفء وسخونة .. أما أنا فأرى أنها مناطق المرض وحزن الانتظار. الصديق لا زال يمتص سيجارته .. يلاحق سحاب الدخان المنبثق من فمه المزموم وقال بعد كل ذلك : ثم ماذا ؟ .. مددت ساقي .. أصبح باطن قدمي في مواجهته. – هل أرهقك العيش ؟ الحب ؟ التخاذل اليومي؟ أن الامتلاء لا بد له في النهاية من تسرب . أما أنا فلا بد أن جرحي سيكون كبيراً وغائراً .. سأنزف إلى القطرة الأخيرة.. أكره أن أموت ببطء أما الحياة أو الموت ولا وسط . – أرأيت وسطها .. كان نحيلاً .. دائرة صغيرة من مواسم لذة تفوح وتتفتح . سقطت كل العيون عليها .. صدمت وأدركت أن المسافة بين العين والقدم ما هي غلا بعد وهمي .. لذا فلابد من المساواة. – غريب أن يصدر منك مثل هذا الحديث وأن تصل إلى هذه النتيجة ذات الرائحة الجديدة رائحة المساواة .. أنا وأنت نسكن فوق مساحة واحدة . أعرفك جيداً وتعرفني نادراً .. أولاً لأنك غني جداً .. ثانياً لأن هذه الحقيقة قد نزعت منك كل شيء عدا القدرة على الشراء .. سوف تتشدق وتقول ها أنا أمارس المساواة بشكل عملي .. وحين ينبح الكلب لا أظن أنه يعرف مقدار قبح صوته فالمقاييس تتساقط على اعتبار أنا وأنت ولكنها تلتئم حين يكون منطلقها .. نحن. – أدفن هذا الموضوع وأخبرني عن وظيفتك الجديدة فها أنت واحد من الا؛صنة المراهن عليها في الحلبة .. والمراهنة عليك بدأت منذ زمن طويل وأنت لا تعلم . اعتدل في جلسته : صدر قرار فصلي بعد أيام ثلاثة من تاريخ التعيين . – كيف ؟ – المشرف في إدارتي قال لي : أنت رجل عبقري .. عرفت أنه منافق كبير وهو نفاق تعلمه بشكل تنازلي .. حين استدرت للخروج من مكتبه .. رغبت في كشفه سريعاً فاستدرت بغتة في مواجهته فإذا بلسانه ممدوداً فصرخت في وجهه : أنت قذر ومنافق .. وقّع جميع الموظفين الشهادة ضدي في قائمة طويلة كتبها موظف جاهل نسي أن يشطب اسمي منها وصدقني أنني خشيت أن أفعل وأشهد ضد نفسي وهو شيء ممكن في مثل هذا الزمن البليد. – إذن فالمراهنة عليك كانت فاشلة .. ولن تربح أبداً .. لن تغير شيئاً طالما أنك تنظر في جميع الاتجاهات . – الأحصنة لا تربح يا سيدي .. لكنها تموت حزناً حين ترى أن وزن الحدوة في أقدامها يتضاعف كلما تقدمت خطوة إلى الأمام لتسقط في نهاية الشوط جثثاً خاسرة .. وأنا تحسست قدمي أول الأمر فوجدتني طفلاً عارياً نبتت تحت إبطه الأيسر شكوكة كبيرة مزروعة في عيون الناس وطرفها مغروس في قلبي كبرت والشوكة في الداخل .. مخبوءة تحت الملابس والبسمات الزائفة . إننا ايها الصديق أمة تتلذذ بعبوديتها وتمارس تحت بنايات من الأسمنت المسلح تنساب في ثناياها موسيقى غربية .. نرددها لئلا تلحقنا مسبة التخلف الفكري .. لوني الأسمر ولونك الأبيض يمارس أبشع تناقض عبر عصور التاريخ لوني الأسمر كلما ازدادت حدته شعرت أنني أقترب به من امرأة بيضاء تفح أفعى تلتهم في دخلها فأراً ميتاً من الجوع وأكل فتات الموائد العامرة .. لوني الأسمر هو الحدود التي لا أتجاوزها . أقف عندها مفتخراً بفحولتي .. أمارس الاستمرار المتدني باعتبار البقاء الواقع .. لا الرغبة المثالية وإلا لكنت اخترت لونك الذهبي وهو طلاء لا بد أن يسقط ذات يوم لتعرف من أنت . – أتعرف أن هذا الهراء لا يعفيك من المسؤولية ؟ .. وأنت ماذا يمكن أن تفعل لو سخرت هذه العقلية للبناء والإضافة . – البناء والإضافة ؟ كيف يمكن وأنا لا أملك القدرة على الهدم والتغيير؟ – وهل التغيير ضرورة أم رغبة ؟ – لا يمكنني التحديد فهو فرع من كليهما .. لكنه مطلب لا يتجاوز الحلق لأنني وجدت رجلاً رائعاً .. كنت أحسبه كذلك حتى رأيته يزدرد كلمة شجاعة .. اهتزت صورته في خاطري كان رجلاً حافياً اما الآن فقد تحول .. لبس حذاء لامعاً وأصبح رجلاً حافلاً . – أنت تطرح التساؤلات.. لا تقدم حلاً .. تشكو .. تبكي بلا دموع . ثم تأكل معي من نفس الطبق .. تلعن كل شيء ، ثم تنام مثلي بين فخذي زوجتك مقهوراً .. ليت النهار يمتد سبع ليال فيمحوها لأراك : .. هل ستنفجر ؟ أم أنك ستظل ترقب الليل .. تبحث عن فم زوجتك الذي يثرثر ويغني فهو لا يملك سوى الثرثرة والغناء. إنتهت السجائر .. رائحة التبغ والأنفاس .. الحديث يملأ الغرفة الصغيرة تدخل طفلة .. طفلة من ؟ – لا تقل شيئاً .. الأطفال للجميع .. قالت الطفلة : لقد مات أبي .. سقطت دمعتها فوق قدمها الصغيرة .. تحولت إلى شامة سوداء .. أخذت تغزو الجسد الصغير .. كإن مملوءاً عافية وحباً .. انتشر السواد . صاح الأصدقا: أنقذوها . لكن الريح تأكل الظلام .. تمضغه .. فلا تسمعه سوى الأشجار والأطيار أما نحن .. نظر الصديق .. قال لي : أكمل حديثك .. أ:مل نقاشك حول الحق .. المساواة .. الفحولة .. التي سقطت .. ولم يبق إلا وسط الراقصة.

0 تعليق