هو .. وابنته .. والكلب

24 نوفمبر، 2011 | الحكاية تبدأ هكذا | 0 تعليقات

فوق شجرة اللوز .. حط عصفور صغير .. تحت شجر اللوز .. نبح كلب جائع .. نظر إلى العصفور . تحول نباحه إلى صوت متهالك .. نكس برأسه .. سار مسافة انتشر قليل من الأمن في قلب العصفور .. هبط من غصن إلى آخر .. عاد الكلب نباحه . على مقربة من شجرة اللوز ..تقف (سعدى) .. فوق ظهرها قربة ماء .. تريح جسمها برهة .. الماء يتسرب قليلاً .. قليلاً ..

نظرت إلى الكلب الجائع وإلى العصفور الخائف .. ابتسمت محدثة نفسها : لا الكلب الجائع يستسيغ تناول الحب المنثور فوق الأرض ولا العصفور يملك الجرأة فيلتقطه . خلاف أزلي .. خلاف النوعية وخلاف القدرة وفي مجمل الحالات لا بد من وقوع الضحية .تسير الأمور على أنها لابد وأن تحدث على هذه الشاكلة .. يغيب الكلب وراء الشجرة يلتف حولها مراراً .. يبسط ذراعيه .. الصوت المثقوب بحزن الجوع يند عنه بين الحين والآخر .. غالبه نعاس مفاجيء .. هبط العصفور من غصن إلى غصن وكورقة صغيرة حط فوق الأرض .. ينقر هنا وهناك .. حين يصبح الفرح في القمة معنى ذلك أنه البدء لمرحلة السقوط .. الأرض مساحة من تسامح .. هكذا تبدأ كل النظريات .. جفن العين ينفتح في بطء.. على مرمى البصر كان العصفور .. دائرة الرؤية تضيق .. تضيق .. لم يبق في داخلها غير العصفور جفن العين يطبق .. حلم الشبع يتحقق.. مساحة التسامح تتلاشى .. دعوة البقاء تحرك في الخاطر شيئاً .. إذاً فلا بد من الانقضاض .. لتكن الوجبة دسمة الوجبات الكبيرة للأفواه القادرة على المضغ الجيد .. للبطون المتخمة .. تحفز الكلب ابتعلعت سعدى ريقها .. صرخت بلا داعي .. انتفض العصفور .. سقطت ذراع الكلب .. لم تفز بشيء سوى قبضة من تراب .. ازداد النباح .. ترفرف الأجنحة المنقار الصغير يحمل قشة .. يغيب .. خلت شجرة اللوز من العصافير .. الكلب الجائع لا يزال .. أمسكت سعدى بفم القربة .. لامست برودة الماء ظهرها حركاتها المتتابعة .. إيقاعية غير مقصودة .. تسببت في خروج قطرات الماء من فم القربة القريب إلى صدرها .. يتسلل الماء .. ينساب فوق الجسد الشاب. . بارداً أول الرحلة .. ترتعش (سعدى) يتحول الماء إلى سحابة من بخار تعبق أمام  عينيها .. تمسح بلسانها شفتها العليا .. تعض الشفة السفلى .. تفحص عينيها .. تراه أمامها يحمل لها ثمار التوت .. أعادها إلى يقظتها صياح ديك يفرد جناحه الأيسر .. يدور حول نفسه مراراً .. واثقاً من قدرته متباهياً بريشه الغزير .. الدجاجة استكانت في النهاية تحته وكات لحظة .. نفض الديك رشيه والدجاجة انتزعت  جسدا .. رفع رأسه وتحت عرفه الأحمر كان صوته مليئاً بالنشوة .. جذبت سعدى القربة من فوق مؤخرتها وسارت وحرارة غريبة تنبعث في أوصالها. –    بئرنا بها بترول . –    كل شيء ممكن في هذه الدنيا .. عدا ا قلت . –    وما الذي يضطرني للإدعاء؟ –    أنا لم أقل ادعاء .. لم أشر إلى كمية الصدق فيما تقول .. لكن النواحي العلمية لم تقرر حتى الآن وجود مثل هذه الثروة في مثل هذه المنطقة لاختلاف تركيب الطبقات. –    وهل التركيب يمنح مكاناً ميزة يختلف بها عن مكان آخر؟ –    أعتقد أن لا جدال في ذلك . –    لم لا تقول إنه الحسد ؟ .. أهل هذه القرية .. يستنشقون هواءً نقياً إلا أنه فشل في إنقاذهم من مرضهم هذا . –    قلت لك أن الأمر لا يحتمل هذا الدفاع عن ممتلكاتك فهي لك بموجب صك شرعي يخول لك التصرف المطلق بأرضك وبالبئر التي تهمس للناس بوجود ثروة الذهب بداخلها .. لكن على افتراض صحة ما تقول . أيمكن لك أن تستفيد من هذه الثروة بمفردك .. أم أن خير هذه الثروة سوف يعم أهل قريتك .. يدفع عنهم الأوبئة .. يمنحهم المسكن النظيف .. اللقمة .. العافية .. العلم .. نعم العلم .. فلن تستطيع أن تستفيد من بئرك هذه دون علم أهل القرية .. أم تنتظر نصف قرن من الزمان كي تنبت لك الأرض مجموعة من الورثة الأغنياء يتمتعون بكل شيء عدا المعرفة .. أتدرك حينذاك ماذا يحدث للبئر. هز رأسه بالنفي : يحدث يا سيدي الحالم أن البحار السبعة تكون قد امتصت بئرك الورثة الأغنياء يجوبون الطرقات لتخفيف أوزانهم .. وسوف يعود الكلب الجائع تحت شجرة اللوز.. والعصفور يرقب حبة قمح فوق الأرض وسعدى سيظل ظهرها وفمها الجميل مليئان بالماء .. وسيظل صدرها مشتعلاً لا تطفئه إلا الأحلام . –     ماذا تعني بذلك ؟ .. هي مجرد افتراضات سلبية .. هذه البئر ستخلق لي كل شيء .. هذه الشجرة سوف أقتلعها .. وأغرس بديلاً عنها صفاً من أشجار السرو .. هذا الكلب سوف أقتله  وأبتاع كلباً آخر من نوع نادر .. لا تبتسم سخرية .. إن الندرة حقيقية تصبغ بلونها كل شيء .. الندرة حتى في الكلاب .. أما سعدى فسوف تقذف بهذه القربة الملتصقة بظهرها .. سوف تمتليء صحة .. ستزهر أطفالاً .. تثمر عشقاً .. سأجعلها تمطر في أعين صبايا القرية. –     فهمت مما تقدم أن التغيير يشملك وابنتك والكلب. –     إنشاء الله .. سأقيم خمس محطات لضخ وقود العربات . –     لكن أهل القرية لا يملكون إلا الحمير الأبقار والجمال. –     ليست مسؤوليتي .. عليهم أن يبتاعوا العربات .. يحاولوا مساعدتي في تغييرهم إلى الأفضل .. أما أنا .. فقد قمت بواجبي نحوهم . –     إذاً فسوف تعمل على تشغيلهم .. وتفتح مدرسة ومستشفى .. وتوصل الماء إلى منازلهم؟ –     لا .. سوف تعمل المحطات بصورة أتوماتيكية لأنني أعرف أهل قريتي معرفتة سابقة. –     تعرفهم ؟ كيف ؟ –     إنهم لا يصلحون لشيء . –     إذاً حاول بثروتك هذه .. أن تخلق لديهم القدرة  على استيعاب الأشياء .. القدرة على الرؤية .. القدرة على .. –     قلت لك إنهم لا يصلحون لشيء . –     لي سؤال .. هل بدأت تشعر بتميزك منذ أصبحت تملك هذه الثروة التي لم تتحقق بعد.. وهم لا يملكون إلا الانتظار ؟ .. ولماذا تحدث هذه الثروة هذا التناسب العكسي بينك وبينهم بمقدارها تبتعد عنهم ..تصدر عليهم الأحكام .. الجهل .. الحسد .. –     لا لا أقصد هذا .. لكنني أعرفهم .. حين يصح الخبر سوف تصيبهم الغيرة أول الأمر.. ثم يحاولون التقرب مني وهذا نفاق لا أطيقه .. مع أنه نفاق لا بد من هضمه لكي يمكن لي الاستمرار ثم يصيبهم بعد ذلك مرض الثروة .. وربما يكيدون لي أو يقذفون في البئر مادة تغير محتواها .. لهاذ لا يمكن التعامل معهم . –     ذلك افتراض مسبق .. تبنيه على ما قد يحدث فكشفت بذلك لعبة الزمن الرديئة في زمن مبكر. –     اللعبة أيها الصديق مستمرة .. قد أكون البطل .. أنت .. سعدى وما أنا وأنت وسعدى إلا هذه الأوراق .. قد تستبدل الأوراق العادية بأوراق بلاستيكية وميزتها الوحيدة بقاؤها في اللعبة أطول زمن ممكن. –     إذاً فأنت تعرف ذلك .. بل وتمارسه بكل دقة . –     نعم هي مسألة البقاء .. أدرك أنه التصادم بين الرغبة في السمو بالهدف والمبدأ وبين فكرة البقاء حتى ولو على حساب الآخرين .. إنه عذاب رهيب .. عذاب مومس جائعة تحت جسد تحتقره .. تكره رائحته العفنة ولكن لا بديل .. إلا الموت جوعاً . –     نشرت الصحف تكذيباً للخبر القائل بوجود بئر بترول في قريته (الناعمة) بعد تمت دراسة التربة دراسة علمية وأن ما حدث لا يعدو كونه تسرباً في طبقات الأرض مصدره محطة المحروقات المرتفعة قليلاً عن البئر. دوت ضحة مريرة .. انتشرت الضحكة في القرية .. شربت شجرة اللوز الماء الملوث .. اصفرت أوراقها تساقطت .. جاء العصفور ليحط فوق الشجرة .. لم يجد ما يتفياه .. أصابته الشمس بدوار سقط فقو الأرض .. القمح منتثر .. جاء الكلب .. وابتلع العصفور لم تستطع سعدى الصراخ .. اندلق الماء من القربة وبرزت من فتحة ثوبها … ثمرتان امتصهما الجفاف.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *