حدثنا رجب عن زهبة

24 نوفمبر، 2011 | الحكاية تبدأ هكذا | 0 تعليقات

حدثنا رجب عن معجب عن زهبة عن أمها أنه كان في قريتهم المشرفة على غيدر تتجمع فيه مياه الأمطار رجل يبيع الحكمة ولا يأخذ شيئاً .. كان الرجل أبيض الرأس يرتدي لباساً خفيفاً يكاد يبين من خلاله معظم جسده الناحل .. لم يشرب في حياته الطويلة إلا اللبن والعسل .. يرقب الشمس الصاعدة إلى السماء وينظر إليها تختفي وراء الجبل الأخضر . ينخرط في بكاء صامت ،

حين يسود الظلام القرية كان الرجل الذي لا يشرب إلا اللبن والعسل يحمل قنديلاً يمر بين المقابر قبراً .. قبراً .. يحدثها حتى الهزيع الأخير من الليل . لم يكن مؤذياً . إلا أنه كان ناصع الصراحة .حدثنا رجب .. أنه قال : يا وطن الخزامى والورد والأشجار .. يا وطن الريح والبحر والأمطار سيخرج من جوف هذه الأرض مطر حديدي .. كغابة وحشية .. ستكون هذه القرية خائفة يا وطن الخزامى والأشجار والنخيل . . يا وطني لا تخش عدوك فعدوك كالخنجر ساطع وأخش الثوب الملتصق بلحمك . حدثنا رجب عن معجب عن زهبة عن أمها أنه كان في ذات القرية المشرفة على واد سحيق أمتلأ بالثعابين والعقارب وبوحوش جميلة هادئة أول الأمر إلا أنها تفقد القرية أبناءها واحدا ً واحداً .. حدثنا رجب أن امرأة فاتنة خرجت بعد معرب يوم خريف والجوع يفتك بأهل القرية .. سعدت إلى قمة الجبل .. قابلت رجلاً غريباً .. مختلف السحنة . معه أوراق كثيرة .. كتب كل شيء .. وقف عند كل شيء .. غاب الرجل وعادة المرأة الفاتنة .. يعرفونها ويجهلون إبنة من تكون ؟ بها ملامح القرية .. لولا سحابة حزن مخيف تغزو عينيها الجميلتين ..عادت حين نعقت بومة .. تشاءم الناس .. وضحكت كثيراً .. حين مرقت أمام أعينهم .. تنهد الرجال .. بكت النساء .. تغامزن .. غيرة تتسلق .. تملأ العين والأذن والقلب. حدثنا رجب : إن المرأة الفاتنة نظرت إلى وجوه الرجال المبهورة صارخة والدم يملأ وجهها .. يكان ينبجس .. تحولت المرأة إلى لهب محترق يضيء الصحراء .. فاتنة أنا ؟  شهية كثمرة تتقاتل عليها نفوسكم الجائعة .. فاتنة أنا ؟ قادرة على امتصاص قوتكم.. مخازن الحب في قلوبكم .. مناجم القوة في سواعدكم ينابيع الإهرار في عيونكم.. فاتنة أنا ؟ أعرف أن الشاعر سيحرق أحمل ما قال لأجلي .. أعرف أن الواحد منكم سيبيع أخاه .. في داخلكم وحش إسمه الامتلاك .. ثعبان أملس ناعم يدعى الأنانية .. سأظل جميلة فاتنة تلاحقني نظراتكم .. الثعابين وحوش الأرض .. ديدنها التي تتجمع على بوابة القرية ستكبر .. تتكاثر .. ستهدم كل الأسوار .. الأطفال أستثني الأطفال من ضياعكم القادم لكنهم جيل الحزن والتعب .. فاتنة أنا ؟ ها أنتم جميعاً تترقبون خروجي.. تحلمون الرجل يحلم .. المرأة تحلم .. ها أنا الزهرة والنار .. ها أنا الشمس والقمر .. لكن العمر قصير .. أنا للجميع والجميع لي حزني عليكم كثيف كأشجار النخيل مثل الزهرة سأذوي مثل الشمعة .. أنذركم تعاونوا أحملوا الفأس بيد واحدة .. أنحروني فوق هذه الأرض قرباناً لكم .. رشو دمي فوق الأشجار .. على الحجارة .. لكن لا يذهب دمي في قاع البحر ويأتيكم معلباً .. قريباً .. وتبتاعوني من أيدي الغرباء . حدثنا رجب : أن أهل القرية ظلوا مشدوهين .. ضاقت بهم الأرض والأرض سراب ضاقت حدودهم .. تركوها للغربان .. ضاقت بهم قريتهم .. مزارعهم .. ملابسهم ضاق الصدق بما فيه . حدثنا رجب عن معجب عن زهبة عن أمها أن طفلاً أخذ معه (حقاً) صغيراً .. ثقبه من جانبيه .. أنفذ في الثقبين خيطاً رفيعاً .. قذف به إلى البئر .. ظل يمتح .. يسقي بالماء أرضاً أنهكتها الشمس .. اغتالتها الأقدام .. كان الطفل خالي الذهن .. إنتظر حتى مغيب الشمس .. حين أشرق صبح اليوم التالي اخضرت البقعة .. حدّث الطفل حين عاد – ذلك المساء – إلى القرية الأطفال عن الفكرة .. عن الماء والأرض . حدثنا رجب أن الطفل يقول : تدفق هذه المرأة الفاتنة ذبح الأباء .. ويلُ لنا أن عانقنا هذه النار المتلتهية . سنمرض بالخوف والحزن وتسكننا الهزيمة سيأكلنا الضياع .. هيا أيها الأطفال فلنسق الأرض بماء. انهمر الأطفال من غيب القرية الموحش .. ملأوا الأرض اخضراراً .. عند باب القرية كان تمثال المرأة الفاتنة .. وشجرة صغيرة في الأفق تنشر أوراقها.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *