عين الذئب

24 نوفمبر، 2011 | الحكاية تبدأ هكذا | 0 تعليقات

مثل الكثيرين من أحداث هذا الزمن البصير .. حدث دون اللوجء إلى حسابات البعد الزماني وقياس مسافة المكان إن رأيته .. صحت بإنفعال طفولي ((سالم)) واتجهت إليه راكضاً . كا يجلس قبالتي . لم ألحظه إلا مؤخراً فالمقهى عالم يموج (بالغتر البيضاء والغتر الحمراء) وهذا دليل قاطع على اندماج الفصول بشكل يتيح للأشياء قدرة التحرك دون معرفة الحدود .

اختلط الصيف والشتاء أما الربيع والخريف فقد انعدما . مع كل هذا الغبار المتصاعد تبينت وجه صديقي القديم ((سالم)) . غاب عن القرية منذ زمن طويل . وحين عاد مرة إلى القرية جاءها في الليل وعاد قب الفجر وتساءل الرجال .. أما النساء فقد اخترعن مئات الأسباب وكان مجيء سالم رواية جديدة يعلكها الناس وقت فراغهم بين صلاتي المغرب والعشاء من كل ليلة . قبلة صادقة حارة طبعتها على خد ((سالم)) كات رائحة العطر .. رائحة الصابون تفوح منه .. نظرت إلى وجهه طويلا ً. قال : كيف الحال وكيف أهل القرية ؟ –    بخير يسألون عنك ويتعجبون من مجيئك المفاجئ وسفرك السريع . –    لا تذكرني لذلك سبب أرجو أن تدفن السؤال عنه هنا بين طيات هذه الرمال المترامية .. الصامتة . كان يقولها بلهجة جديدة على مسمعي . أحسسن أنه يمثل . إلا أنها تمثيلية أرى فيها المخرج والمصور والملقن . أراهم جميعا ًإحساس كربة . لأنه يفقد الموقف . حركته .. إيجابيته شعور خنقني أحال فرحتي برؤتيه إلى نكد متتابع . سألني وهو ينفث دخان ((الشيشة) المرتكزة أمامه : ألا زلت تكتب الأغنيات (بالطبع الأغنيات الحزينة ) على فكرة ألم تحاول مرة واحدة أن تكتب أغنية فرحة . أغنية متفائلة. جّرب جّرب وسوف تنجح. –    نظرت إليه. قلت له : نسيت في غمرة ربتك في نقاش أن تستضيفني . وهذا وحده كفيل بأ يجيب على سؤالك وسوف أظل أكتب الأغنيات الحزينة حتى يصل الفرح . أو تدري متى يصل الفرح ؟ هز رأسه . قال : لا . قلت عندما ترتوي هذه الرمال الحالمة من ماء القمر الفضي . –    إشرب يا صديقي ودع عنك التهويمات . أسمعت عن هذا السقوط الشنيع للعقار . أحمد الله أنني بعت سبع قطع في مناطق مختلفة قبل هذا الانحدار . وبكم ؟ بمبلغ خيالي . ابتعت منه منزلاً كبيراً . يمكن لأهل القرية أن يسكنوا فيه جميعاً دون أبقارهم وحميرهم وكلابهم خارج التعداد . –    لم أعقب بشيء .. بعد فترة صمت .. –    قال لي : أتنام في الفندق ؟ نظرت إليه . ابتسمت . ضحكت : أنا ؟ المقاهي تملأ البلاد . أرخص . الفنادق محجوزة . وشكلي لا يشجع موظف الاستقبال على محادثتي . فأنا لا أحسن زرع السيجار في فمي ولون عيني ليس اللون الأزرق . قال : إذاً أنت ضيفي . اعتذرت . أصّر بشدة . سألني عن سيارتي أشرت له قال : هذه ؟ دخلنا المنزل . الفخامة والهدوء . الترف . إلا أنني لم أستطع أن أدخل سالم ضمن هذه المجموعة . رأيته في خاطري يقف هناك فوق بشر تصدر عجلاتها صوت نزيف الأرض . فوق مساحة من الأرض يحرثها .. صوته وراء قطيع من الأغنام يدخل القرية عند الغروب والأطفال يلعبون والنساء يتبسمن من النوافذ والأبواب وجدته وحيداً فجأ. رفض ((سالم)) أن أنام بمفردي . ظللت طيلة الليل أقص عليه قصة خزان الماء الكبير الذي وصل إلى القرية بعد أن هاجر معظم أهلها . إلا أن الشركة التي ستقيم مصنعاً للمياه الغازية ستستفيد منه . كان صمته يخيفني ونظرته العميقة .. كان يرتعش . لم يعلق بشيء – إزددت ريبة. اضطجع فوق سريره . أحسسن بالأغنية تنمو في داخلي . تتحدد في شراييني .. بدأت حمي الكتابة تنتابني . لم أجرد ما :تب عليه . وقفت كان منطرحاً على فناه . عيناه متعلقة بسقف الغرفة وأنا أكاد أسقط . أتعال بين الداخل والخارج أصبح غير ممكن بل ويكاد مستحيل هذا العنف الذي بداخلي . هذه الرعشة . هذا التفجير يقابله الصمت والهدوء. والحركة الخامدة . انقلب على جانبه الآخر . أصبح وجهه في مقابلتي ووجدت الورقة والقلم . البهجة تحل تملأ نفسي وقلت سوف يمكنني الراحة بع قليل . الضوء يملأ الغرفة . نظرت إليه . بدأت أكتب . أعدت النظر مرة أخرى . لا أكاد أصدق . أحقيقة ما أرى أم وهم فركت عيني . عين مغمضة وأخرى مفتوحة . وضعت يدي فوق جبيني . فوق رقبتي . درجة حرارة حمى عادية . إنه الوهم. (سالم . سالم . سالم) لم يجب إنه نائم . ولكن كيف ؟ هذا لا يمكن . حكاية الذئب الذي ينام بعين واحدة حكاية ملفقة اخترعها رجل جبان وهو قد سجل موقفه باختراعه الفريد الشجاعة موقف والجبن موقف . وليس بينهما منطقة وسطى الذي ينام بعين واحجدة . نظرت إلى وجه صديقي سالم عين مغمضة وأخرى مفتوحة وتنفس هادئ ينم عن نوم عميق وأنا أرتعش أريد أن أكتب . لكن . لا أستطيع العين الأخرى تقلقني . تنظر إلّي . هب أنني صدقت الحكاية الملفقة . كيف يمكن تطبيقها على الواقع . كيف ؟ وكيف يمكن أن أكتب الأغنية وهي انبثاق من الداخل والخارج هنا مخالف لما أعرف . العين الواحدة .. العين الواحدة . أطفئت النور . لم يبق سوى نور ضئيل .. الآن يمكنني الكتابة أمسكت القلم. استرحت قليلاً . عادت الارتعاشة تملأ أطرافي ها أنا أهم بالكتابة . اهتز السرير نظرت إليه . العين مصوبة إلّى سقط القلم. وسحبت الغطاء فوق وجهي . أغمضت عيني بشكل قسري . لم أنم إنتشر الضوء . سمعت الحركة . صحت به . سالم أتصدق حكاية الذئب الذي ينام بعين واحدة ضحك كثيراً ثم قال : أعذرني فأنا لم أقل لك بأن احدة من عيني هي عين زجاجية.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *