الريح تجوس خلال الرمل .. خلال الأشجار والشجر معرى من أوراقه .. الريح.. الريخ تخر الوجوه وجها ً.. وجهاً . تبتعد الشمس .. تختبي وراء غيمة والغيمة تهرب .. ترفع أطرافها .. تهرب . تجمع ما تبقى بها من قطرات تسقطها فوق البحر . تنفلت من أسار الغيمة الهاربة من هجير الصحراء قطرة تعيد الحياة .. تبعث النشوة في الأرض . تبث اللون الأخضر في ساق طلحة لم تزل
تنتظر منذ ألف عام .الصحراء .. مهد ينبعث من كل شيء .. الأرض .. الرمال .. هياكل الأشجار. من شق ((ضب)) مات من عطشه .. تعود الشمس ثانية ..تشتعل مساحات السراب تختلط المرئيات .. يصعدون جميعاً فوق خط الأفق المتكسر رويداً رويداً .. وكأنهم يرقون إلى السماء .. ثم تهوى الأقدام فجأة بلا توقيت مسبق – عواصف هذه الصحراء- سقط الجمل أخيراً بعد أن أضاع الزاد .. الطريق . الرؤية . لميبق في الدائرة الصفراء سوى رجل ضائع وامرأة حبلى . لسانان من خشب .. رائحة الموت تقترب من الأجساد المنهكة .. تتسع الصحراء .. الصحراء تضيق .. تضيق تخنق الأمل في العيون وليس سوى السراب . خيال شجرة بعيدة . منتصبة كشاهد قبر أسود. الأقدام الحافية تطأ الرمال المشتعلة. الشمس ضاقتبسمائها لمتسعة فآثرت الدخول إلى رأس المرأة الحبلى فكان أن امتلأ جسدها بجنينين . العيون متعبة. المرأة ترتد إلى بطنها المتورم .. تصيح . تجثو على ركبتيها .. ترفع يديها : ما ذنبه ؟ ما ذنبه : الكثبان .. أمواج الرمل .. الأشجار العارية تلتهم الصرخة .. تنحدر الدمعة فوق الخد. تصل إلى أطراف شفتها .. تخرج اللسان الخشبي .. بطرقه تمسك بها قبل أن تأكلها الشمس . انعدم المكان .. الزمان .. والدائرة لا تنتهي .. السماء تبتعد فما ثّم إلا الضياع وما ثّم سوى الرمال . لم تعد تطيق المسير .. الرجل يحاول معاونتها .. لا جدوى .. تسقط فوق الأرض تصرخ في رعب : إمسك ظهري .. إني أتبرأ في هذه اللحظة من قلبي .. أتبرأ من كل أماني الناس .. أبرأ من شوق الأرض العطشى للماء .. إمسك ظهري أيخرج هذا الطفل المنكود من قبر .. ويدخل قبراً أو . إمسك ظهري . انتفض الرجل .. أمسك خنجره .. نظر إليا .. تتلوى .. تأكل التراب تمسك الأرض بقبضة يد معروقة ..مرتعشة ..كي لا تفلت منها .. تنظر إلى السماء .. تنتقي وهج الشمس .. تصرخ : كفّى أيتها الأمطار ..كفّى أيتها الأنهار .. كفى يا مياه الأزمنة العطشى للحب الصادق .. إني أتطهر في هذه الصحراء .. من كل ذنوب السابق واللاحق .. إني أشرب من عطشي. تنقلب المرأة .. ينظر الرجل إلى أطراف الصحراء .. يحاول الهمس . لا مجيب سوى الصدى الطلحة تبتعد .. سقط الجمل .. سقطت المرأة .. يبقى الرجل وحيدا ً.. يحرث المسافات بعين عوراء .. يمسك بطرف ثوب المرأة يسحبها ويظل يبغي تلك الطلحة .. يسير طيلة النهار .. ينوء بهمه .. بأمرأته .. بطفل في جوف يتململ .. يصل العطش العينين .. يشرب من مائهما. اللحظة .. انفصلت العربة الأم .. اللحظة التي لا تحد بزمان أو مكان أصبحت في مجال لا معلوم .. بكى الرجل .. صرخ الطفل .. الأم الأرض أغرقتها الأمطار الحلم .. أروتها الأنهار اللامرئية. أمسك الرجل الطفل كسمكة أخرجت من الماء .. الطفل يتأرجح .. يصرخ يبحث عن ثدي ملآن .. لم يزل الرجل يسحل المرأة الميتة .. يحمل الطفل .. الطفل يشيع في الصحراء الموحشة صراخ الحياة . الأغنام والإبل مليئة الأثداء . تحسس وجهه .. شعر رأسه ..حاول الإبتلاع لم يستطع .. رائحة التراب تملأ كل زاوية من زوايا جسده . تذكر الطفل .. المرأة داخل القبر .. داخل الكهف داخل الصحراء .. تذكر نفسه .. غاب عن الوعي. أحس بالماء فوق شفته .. انسابت البرودة في أطرافه ..لم يستطع فتح عينيه أهو الموت ؟ أهي الحياة ؟ كم هما موحشان. الأشباح تتواثب .. يسمع همساً ..ببط مفزع أخذت المرئيات تعاود الرجوع رآهم جميعاً .. تملأ وجوههم العافية .. تقطر منها النعمة .. يتضاحكون .. أحدهم يتجشأ .. الآخرو .. يسابقون خلف خيولهم. القبر .. الكهف .. الصحراء .. وثب الرجل . انفلت من أيديهم .. نظر إلى الوجوه المحيطة .. صرخ : أين زوجتي ؟ .. أي طفلي ؟ تجاوبت أطراف الصحراء سار القوم مسافة الوهم والاحتمال .. حين وصلوا إلى الطلحة قرب الكهف دخل الأب القاتل والمقتول . المرأة داخل الكهف تحولت إلى نصف جسد مليء بالحليب لطفل جائع طرده الموت إلى الحياة .. العين الواحدة تنظر إلى الزوج القاتل والمقتول .. تنطفئ .. يتساوى الجسد مع الأرض .. مع الرمل ويطل منظر كومة من التراب أمام الأعين المملوءة بالدهشة والفزع. في منزل كبير .. يضغط الرجل البدين مفتاح التلفزيون .. يغلقه .. يلتفت إلى جسد المرأة المستلقية فوق السرير .. الليل يحتضن البيت الغرفة تحتضن الحارس . يقول الرجل البدين : لقد أفرطت الليلة في الأكل والشراب .. يتجشأ .. يغمز لها بطرف عينه في حركة اشتهاء . .يهتز .. يتجه إليها .. يقول لها : أتصدقين هذه الحكاية؟ تغمز له بعينها .. تقول له : دعنا من ذلك كله .. أطفئ النور ولنبدأ حكايتنا نحن..

0 تعليق