يمامة عمياء

26 أغسطس، 2012 | قصص قصيرة | 0 تعليقات

لا أعرف بالتحديد من هو الذي حمل النبأ الى أهل المنزل , وكيف وصل الى أسماعنا .. كان الوقت يوافق أيام رمضان التي تكاد ترفع وتيرة التصورات إلى سقفها المرتفع. على أن رمضان صادف أن يكون ضمن شهري يوليو وأغسطس حيث تبلغ درجة الحرارة منتهاها, والهواء الساخن يلفح الوجوه وتبدو مكفهره عابسة وعنيدة. خمنت لبعض الوقت أن درجة الحرارة المرتفعة قد تكون سببا مباشرا لما يشاهده أحدهم وخصوصا إذا كان الوقت في ذروة الظهيرة حيث لا منجاة من سطوة الصيف اللاهب وبالمقابل فهي السعادة الوحيدة لباعة البلح ومالكي النخيل وثمره حيث لا ينضج الا بهذا الارتفاع الذي صادف أن تأخر قليلا بحسب الأشهر الهجرية لكن الموعد في الأشهر الاخرى كان في منتهى الدقة.
حين عرفت بما حدث في الحديقة وعجائبها كثيرة حيث تعيش على جانب المسبح المتواضع مجموعة من القطط , واحد منها كان له خاصية الرعاية القصوى وهو بلونه الأسود والأبيض يملك سطوة على كل منافذ الطعام والتي يمكن ان تقدم له من نافذة المطبخ أو يتم ايصالها له متى ما تم الغضب عليه وطرد لسبب او لآخر من نعيم غرفة المطبخ , أو ربما لتبرم الخادمة لما يتركه من قاذورات أو شفقة على بعض القطط الصغيرة الضالة التي تبحث عن المشاركة فيتم طردها من قبل هذا القط المدلل. الحديقة مليئة بأشجار لا تثمر أربع نخلات من تلك الأشجار التي يتطاول سعفها الى السماء وهي من نوع الواشنطن الذي ليس به بركه و كأنه أخذ مسمى قلة البركة من اسم هذه المدينة التي ترمز لأمريكا ووجها القبيح. وفي تلك الحديقة صادف هرج ومرج فقد عثر على ضب متوسط الحجم ذات نهار في المسبح مما اثار الصراخ والهلع والتساؤل , وهل دخل من تلك الفتحة الصغيرة التي تفضي للشارع ام جلبه احد الأبناء الى المنزل كان صغيرا وربما اختبأ طيلة فتره نموه دون أن يلحظه احد, لكن هذه الحقائق لم تعجب بعض أفراد الأسرة التي تؤكد أن هذا الضب من (آمنا بالله) وأن اصله جني ثم يدعم وجهة نظره بقصص شتى سمعها أو قرأها لا سيما حين يجد في ملامح وجهي مساحة للحوار وانتظار نهاية البراهين والتي تنتهي كالعادة من قبلي: كل ذلك زيف وليس هناك حقيقة تدعم رأيك ثم تقفل ملامح وجهي كل باب للحوار فيصمت منكسرا. بطبيعة الحال كانت القطط مرحب بها لأسباب متعددة ولعل على رأسها انها قادرة على اكل الحشرات الضارة التي تجوس داخل الحديقة ومناطق البيت الخارجية الأخرى وخاصة الوزغ والصراصير وربما العقارب التي تخرجها الحرارة من جحورها. وكان من نشاطات ربة البيت ان تحمل بقايا الطعام من لحم ودجاج وسمك داخل صحون من البلاستك لإطعام هذه القطط التي اتضح على مدى طويل ان هناك أسرة واحده تتحكم في الحديقة خصوصا أن الأنثى قد تنجب الكثير من القطط العمياء الصغيرة والتي لا تلبث أن يموت نصفها أما ان تقوم بأكلها او أن يقترب القط ذو الوجه المملوء الجراح والندوب بذلك , ويواصل مسيرة الأسرة كل ما حانت له فرصة لممارسة القانون الطبيعي. نشاط اخر تقوم به ربة البيت حيث تبتاع من الطاحون القريب من المنزل بعض الحبوب التي تنثرها لساكني الأشجار والتي تثمر عصافيرا ويماما يهبط في مغامرة عجيبة حيث تقوم لعبة الحياة والموت في أبها صورها حيث تنتظر القطط هذا الحدث بفارغ الصبر , ضاربة بنظرية أن الشابع لا يفكر في الأكل فتختار موعد اطعام العصافير بعد أن يتأكد خاطرها بشبع القطط, هذه النظرية دائما تبوء بالفشل فالجميع يلاحظ الريش المتناثر بقرب المسبح أو تحت الأشجار في دلالة قطعية على أن الشبع كافر وليس الجوع. اتفق الرواة في البيت ممن يقصدون المسبح بوجود يمامة عمياء وتوافرت الكثير من الحكايات على انها لم تبرح مكانها منذ اربعة أيام وبنفس الوضعية حيث تقف على الأفريز الذي يحفظ ماء الأشجار من الوصول الى المنطقة المحيطة بالمسبح , وكيف أن الكثير من اليمام الذي يهبط يحاول الاقتراب من هذه اليمامة العماء ويلعب الخيال دوره أنه ربما يعرض عليها الأكل أو الشرب ولكن كيف؟ لربما يعرض عليها أن تنقل الى أعالي الأشجار حيث تتجنب افتراس القطط التي تملأ المكان , لكن شيئا من ذلك لم يكن , احدهم حلف بأغلظ الأيمان ان القط الذي يتسلل الى الحديقة في مواعيد محدده قد اقترب كثيرا من الحمامة العمياء التي عادة ما ترفرف بأجنحتها طلبا للحياة , كان يقوم بالاقتراب والشم ليتأكد أنها على قيد الحياة ولما لم تبد أي حركة , تراجع مملوء بالريبة والحذر , يصادف ان تحرك احد اجنحتها فيجفل ثم يتمدد بقربها وكأنه يتفرس في الوجه الصغير المغمض العينين هناك حيث يكمن وبعيدا في بؤبؤ العين كل ملامح الحبور والخوف والفزع و الاطمئنان وردود الفعل هل ايقن أن ذلك الشعور لن يصل اليه ليتم على ذلك رد الفعل المناسب؟ عادت الأفكار من جديد داخل البيت بأن هذه اليمامة من (آمنا بالله) فكيف يمكن أن تمر عليها هذه الفترة الطويلة بدون حركه وحين يرون البسمة في وجهي بشيء من التذمر بقولهم أنت لا تصدقنا ثم يردفون بسؤال اخر لماذا لم يجرؤ القط على افتراسها لم اعرف جوابا وخفت أن أقول لهم أن العين مليئة بأسرار هذا الكون وأن العين مملوءة بردود الأفعال التي تمنح لعبة الحياة والموت فكرة التكافؤ , العمى باب موصد تخافه حتى هذه الحيوانات الصغيرة التي تلعب لعبة البقاء ولكن بشرط الاكتمال. في اليوم الرابع جاء من يحمل النبأ العجيب بأن الحمامة العمياء غادرت وأن لا ريش متناثر ولكن الافريز الذي كانت تقف فوقه يحمل آثارا واضحة لمخالبها الرقيقة وتكاد أن تكون واضحه هل حدث ذلك من كمية الخوف الذي كان يصهر جسدها الصغير عبر السمع والشم والذي بكل تأكيد تضاعف مرات عديدة الغريب أيضا أن هذا القط المشحون بالرغبة والملامح القبيحة لم يرى منذ ذلك الحين.

الرياض – 15/ رمضان /1433هـ

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *