يقول الراوي : نبت ” شارق ” من أرض لاتواري فتنتها إلا عن الكارهين ، انشق مثلما الصرخة ، تكون حتى كاد النخل أن يجن به , ملأ الصحراء حتى ضاق البحرية , فإذا بالموج الذي يلطم الشطئان لم يكن له هم إلا أن ينزاح قليلاً داخل الصحراء , أطلق البحر في هدأة الليل كائنات يخلفها الموج بعد أن تقذف الشمس ببدنها المنهمك نحو البحر. بلا وعي تحرس تلك الكائنات
الشطئان شبراً شبراً وكأنها تقيس مملكة البحر, الموج لا يني ولا يتوب عن فعلته الأبدية,والشاطئ ملقى على قفاه, والموج يمسح بمائه المتدفق المتواتر جسد الشاطئ حتى يصل إلى جذور النخل, ثم ما يلبث الماء أن يسحب معه حبات الرمل, حبة , حبة , يغري الشاطئ . يغريه بالبحر. نبت شارق , والليل يمطر على الصحراء حتى أثخنها بالماء لم يكن يشبه صحبته ، ولم تكن صحبته تحبه ، قيل أن أمه حين داهمها المخاض لم تسمعه يصرخ كبقية الأطفال مع أن يم الرمال قادر على ابتلاع صرخته . !! يقول الراوي : – والعهدة عليه – أنه في تلك اللحظة كان قادراً على ابتلاع صرخته – بعد فترة من الصمت – أضاف الراوي : المدوية . لم يلبث شارق عمراً طويلاً ، رغم أن الرواة غير الثقات أكدوا في جلسة سمر يحتسون فيها القهوة المرة وأحاديث فاقعة العذوبة ، أنه ربما عاش ألف سنة بالتمام والكمال ، لم يسقط له سن ، لم يخالط شعره البياض ، ولم تلوحه شمس القيظ ، هزوا رؤوسهم بشكل جماعي قالوا بصوت واحد : كان شارق مختلفاً . دارت القهوة للمرة الثانية ، كان الساقي نحيلاً يتجه إلى الصمت ، إن تحدث . أصغو إليه دون استثناء . لكن أرأيت كيف يتحدث الانسان من وراء قلبه ، ذلك النحيل تسلل إليهم عبر قهوته المرة عناء ، أصابعه النحيلة تمتد إلى أصابعهم المتورمة بدم فاسد ، تحرك الدم قليلاً فإذا بالأحاديث تتغير قليلاً ، قليلاً . رجل وسيم جداً ، مليء بشامة على يسار الناظر إليه إلا أنه متأكد تمام التأكيد أن الشامة بالنسبة لخارطة الوجه تقع إلى اليمين ، ضاق ذرعاً بالذي أمامه وصاح به بقليل من التهذيب : أشك أنك تعاني من غشاوة في العين . صرخ رجل قصير القامة ، كان أطول مابه تلك الأسنان العجيبة في مقدمة فمه : هل تقصد العين اليمنى أم اليسرى ؟ لم يضحك لحظتها أحد ، لكن القصير عمد إلى فمه وجذب أسنانه من مواقعها ، أصبح يسمع جيداً . قال الرجل الوسيم بعد أن هدأت النفوس : إن شارقاً لم يعمر أكثر من تسعين سنة , كان غريباً عن أهل هذه القرية ,رغب أن يسير بالقرية وأهلها إلى البحر , حين سأله كبار السن : كيف يتاح لنا هذا الجنون ؟ قال في حينها وبلا تردد : نحفر خندقاً حتى يصل البحر لنا . ضحك الجميع , وقف أحدهم , نظر إلى مختلف الاتجاهات سأله شارق : ماذا تفعل أيها المخبول ؟ أجابه وهو ينظر إلى البعيد : أحدد اتجاه البحر وأقصر الطرق إليه . صاح به : اجلس أيها الجمل الأجرب البحر في كل اتجاه . لم يتوقف الرجل الوسيم المرصع بشامة عن الحديث . انبرى عاقلهم , طلب من صاحب الأصابع النحيلة القليل من القهوة ، بدا للجميع أنه أخذ أكثر من قسمته ، لم يعترض منهم أحد . قال له : يابني . ماهو البحر ؟ هل رأيته ؟ صمت شارق ووهج النار يلفح الوجوه , أخفى الكثير من التقاسيم إلا أنه فضح القليل من الحسرات . يقول الراوي : – والعهدة عليه – أن كهول القرية وشبانها ظلوا يتحدثون عن ” شارق ” قرابة عام كامل , وعلى مدار جلسة واحدة , وأن الأصابع الناحلة , ظلت تسقيهم القهوة المرة . وغريب الأمر , أن شارقاً كان معهم يشرب القهوة , له أصابع ناحلة , وهو رجل يمتلك وسامة ظاهرة , مليء بشامة على يسار الناظر إليه وأنه ظل يحلف أغلظ الأيمان أن الشامة فوق خده الأيمن وأنه رجل قصير القامة بأسنان عجيبة .
0 تعليق