يطول الحديث ياأصدقائي القدامى .. يأخذنا إلى طرق لم نسلكها ، هاهو الماء يدخل .. ونبضات القلوب تتسارع .. وهاهو سيد المكان يبسط الحلم ، يفسره ، يخرج إلينا الحلم لحظتها جميلاً ، نخرج من الحلم إلى الواقع فإذا بالظلام يكتنف الشارع . الأصدقاء يمتطون العربات حيث تضيء مصابيحها العتمة ، تبددها فتبدو السيقان من خلف الثياب ، هاجس من خوف انساني يسيطر
، إلا أن فرح اللحظة ينساب ، يدوي ضحك مرتفع ورغبة في الاستعجال لاستمرار اللحظة ، ماذا يبقى في المذاكرة المتعبة ، هاأنت تخرج ممتلئاً بفرح عذب ، وأغنية مشتهاة حين امتطيت العربة اتجهت إلى القلب ، وكان الطريق الطويل ، أوقفتني سبع إشارات ضوئية ، ومنحتني سبع أخرى ايقاع الحياة . إلا أن الأخضر سيملأ الصحراء . لماذا قطبت جبينك ؟ لاتمتعض . هل فسرت الأشياء ؟ انظر ليس إلى البعيد . انظر كفك هل تجلو الآن خفاياها ؟ قد تجلو . اللعنة على تفسير الأشياء . قلت : امتطيت ، أعني .. العربة . شاهدت رجلاً من على البعد . لم استبن ملامحه . ماذا يخفي في القلب . هل يترك أطفالاً . تجشأت ، لاأحد معي في العربة ، أجائع هو ؟ هل يحمل في الصدر هوىً للقادمين . رغم الضوء الصارخ ” قف ” تعبر عربة رسمية بهدوء قاتل . وراء الرجل تقبع حقيبة . ووراء الرجل الواقف فوق الرصيف سور لأرض ، قل وراء الأرض تقبع منازل جميلة ، المنازل تحوي فيما تحوي أسرة ، وفوق الأسرة إن وجدت ، يتمدد انسان يحلم بالأرض ، ترفع من فوق الكتفين الأسوار ، يحلم بأن ينبت شجر لايموت ، وأن ، وأن … أقول : وراء الرجل تقبع الحقيبة ووراء الحقيبة جدار حجري خلف جدار الحجر تنتصب منازل مملوءة بالناس والأحلام ، وراء ذلك كله تنتشر الصحراء ، إلا أن هذا الرمل هو الغصة الأولى تقول لي الريح شيئاً : سيبدو لك البحر إما صبرت ويبدو لك الصبح إما انتظرت . يقول لي الموج شيئاً : هاأنا البحر والخلجان .. وهاهو الصياد ينثر قلبه . قبضة الرزق المشاع تمسك ، سيصيد حتماً لأن الصياد قرر . الرجل لايزال واقفاً ، خلفه السور والمنازل والصحراء . لكن .. خلفهم البحر .. ملئ بالنوارس والقوارب وابتسامات كسيرة ، الرجل اللابس ثوباً أسوداً قد يسمح للوجه القمحي مساحة الرؤية ، يضع فوق الرأس المملوءة .. بالفرح .. الخيبة .. بهموم الأفواه .. باللون الأخضر .. يضع الغترة بيضاء .. يقف الآن تحت الجسر الموصل بين طريق وطريق . خلف الظهر .. تقبع الحقيبة .. قد تحمل في داخلها ثوباً أسوداً آخر .. ثوباً لامرأة يعشقها ، كتاباً .. قارورة عطر .. سراً بوصلة للأشياء .. خلف الحقيبة يقبع السور يحمي الأرض من سطوة الشارع .. بقيت الأرض سجينة الأسوار والطرقات . الضوء مغلق . فجأة .. سمعت صوت الأبواق في هدأة الليل تستحثني على المسير . جلت بنظري باحثاً عنه .. فقد قررت منذ اللحظة الأولى أن أحمله .. غريباً .. في طريقي . الرجل سار بحقيبته وأسواره ومنازله .. سار بالصحراء ساروا جميعاً إلى البحر . سرت إلا أن ذلك كان متأخراً بعض الشيء .
0 تعليق