العرس

24 نوفمبر، 2011 | دامسة | 0 تعليقات

لاأعرف كيف جاءت بلون الغراب ، ذلك الوهج الفضي الذي يلون جناحه ، ممقوت هذا الغراب . لايفزع من حيوان كاسر قدر فزعه من الانسان ، والإنسان إن رأى الغراب فذلك يوم النحس !! ليت لي أن أعرف أي النبؤتين أصدق من الأخرى ….

* كعادتها في كل يوم ثلاثاء  ، تزدان المدينة بالنساء القرويات ، لكنها في هذا اليوم كانت كئيبة على غير ما عهدناها ..
ذلك التل الذي يعلو السوق لايزال يعكس طبيعة كل يوم ذلك الوهج عندما تكون الشمس سلطانة النهار ، لم نكن نعرف في تلك الأوقات الذهب ، وجال في الخاطر أن هذا الوهج هو الذهب بعينه ، لكن من يملك القدرة على جمعه ؟ فما هو إلا ذرات التراب التي صقلتها الأقدام الحافية جيئة وذهاباً .

كثير منا عدل عن جمعه إلا أننا جميعاً لم نبدل فكرتنا .

–  معدنها طيب ، وأقسم بالمولى .
– بالمولى ؟ كيف يبيح لها هذا المعدن الطيب أن تفعل مافعلت ؟
التقطت هذه الكلمات وكانا يتحدثان ، لم أعرهما الانتباه الكامل دخلت إلى الخاطر ضمن مجموعة الثرثرات التي يعج بها السوق .

* كنت  أعبر مرحلة المراهقة  . .  لحظتها اكتشفت جسمي وعرفت أن كثيراً من الأجسام مثلها مثل النباتاتفي هذا الكون الفسيح يمكن لها أن تنمو ويمكن لها أن تذبل ..
هناك .. داخل القلب أزهر عشب جميل . نبتت ريحانة حرصت أن أسقيها لتمنح الوجود رائحة الأرض .
الريحانة .. أول ماشممتها كانت تزهر فوق رأس امرأة .. سيدي هذا قلبي تجول به في كل العالم وامنحني تلك الرائحة .. سيدي هذا فرحي الذي زرعته انتظاراً للندى .. خذه وامنحني تلك الرائحة .
كانت امرأة مثمرة  وكنت فتى يابس الفرع حين قبلت جبيني فاحت في مواجهتي كل الثمار .. أحسست لحظتها بالعطش ، انطمس وجهي ونبت في جبيني فم بادلها القبلة .
تلاشت الرائحة فتحت عيني فإذا بها وينهمر من فوق كتفيها نهران أسودان وإذا تحت الشال الأسود نبتتان من الريحان قد تلاصقتا ..يحدان من سطوة هذين النهرين الهادرين .

–  أنت ياسيدي لاتعرف المرأة . أتعرف فما .. جسداً .. نهراً جارفاً ، جبلاً يغريك بالتحليق ، بحراً يمنحك الشعر والأغنيات ؟
–  أعرفها سيدي ريحانة في القلب .
* حين أخذت مكانها وسط الوادي .. التفتت ذات اليمين وذات الشمال بعد أن أراحت جسدها المنهمك مسيرة سبع ساعات ، ألقت بحمولتها من الحطب .. كان ظهرها رطباً رغم أنها وضعت فوقه مايقيه .
–  متى يريحنا الله من هذا العناء ؟
–  من مشنقة إلى مشنقة فرج !!
انهمر شلال من الضحك تبادلنه الصبايا .. كان الوادي مقفراً إلا منهن .. تعرين .. هبطن إلى الماء .. اغتسلن .
فوق كل حمل ، كان لباس المدينة مملؤاً بالقصب ومايلفت النظر . ارتدين ملابسهن .. تكحلن وجرى الوادي على غير عادته بالنساء الجميلات .
–  إذا دخلت المدينة قل : باسم الله .
* أخذت مكانها وسط السوق .. كان ذلك الخبيث الذي غازلها يعبر خاطرها في تلك اللحظة .. كثيرون جاءوا يسومون الحطب لكنها رفضت بيعه ، تنتظره . لكنه لم يجئ ، كان فتى وسيماً ذلك الخنجر الذي يرتديه يزين وسطه ، قوياً ، وكأنه شجرة طلح ترفض الموت ، وحليب الحياة لايزال يجري في عروقها . كان يلبس ثوباً أزرق اللون  بلون السماء حين تخلع عن جسدها أكوام السحاب  .
– ياحسرتي لبست له ثوب الصون ، قالتها بهمس يشبه الصراخ ، صديقتها ينوء كاهلها بعبء السنين ، تكبرها . شجرة عرعر لايأوي إليها إلا اليمام الذي يهرب من المدينة .
قالت لها بعد أن رأت الانكسار في وجهها الصبوح :

” ياعرعرة شيلي من الحزن في قلبك
خلي القلب يثمر لشاقي مساحة ظل
ياعرعرة مامثل ظلك ظل
تدرين ياعرعرة غني بصوت يجعل الدم
يعود للكف تزرع من جديد
غني .. بصوت يجعله .. “
الله يابنتي .. نسيت أن لحظة العشق لاتعرف طريق النشيد .
فجأة انبثق الأزرق من داخل الناس .. عادت العرعرة الكبيرة إلى صمتها تراقب وهي جذلى .
فضحتها حركة يديها وهي تخفي قدمها بطرف الثوب .. تسوي شعرها تحت شالها الجديد .
–         لأول مرة أعرف أن الحجل يهبط الأسواق .. أعرف أن رؤوس الجبال سوقه ومرعاه .
–         السوق الفائت كان الحمام وهذه المرة أصبح حجلاً الله أعلم ماذا يكون في المرة القادمة .

* حين انطلقت البنادق من كل صوب .. كان الأزرق مبتهجاً .. هي تضحك من كل قلبها ..
قالت الأم : خففي من هذا الضحك كفاك الله شره .
ابتلعت ضحكتها لتنفجر في خديها وعينيها وأطراف الأصابع .. تدرين ياعرعرة غني بصوت يجعل الدم يعود للكف تزرع من جديد .. غني بصوت يجعله .. وانداحت في حفل عرسها وكأنها تشاهده .

* عادتها في كل يوم ثلاثاء تزدان المدينة بالنساء القرويات إلا أنها في هذا اليوم كانت كئيبة على غير ما عهدناها .
الناس يخامرهم خوف وحزن وهم يرونها .. أشهر عاشقة للأزرق في هذه المدينة ..
عاشا زماناً لايعرف إلا الفرح تحبه هي هذه السماء الجميلة التي عرفت كيف تطير فيها كيف تحلق .. هو شعر أنه الفضاء الممتد الذي لابد أن تطير فيه طيور أخرى .
–         سأذبحك حتى لو كان ذلك بالحلال .
–         الذبح ؟ لا . أدرك مدى محبتك لي . الأزرق يعيش بين الترقب والحذر لكنه يعرفها تحب حباً جارفاً لايعرف الحدود .
* سيدتي سأعترف لك .
كان صبيحة ذلك اليوم . حين جرى دمه حاراً .. لم تنبس ببنت شفة  لم ينبض بها عرق .. صامتة مثل الجبل .
اعترفت بقتل زوجها الذي أحبته كل هذه السنين ؟
صبيحة يوم الثلاثاء لم تزدن المدينة بالنساء سوى امرأة واحدة تتجه بخطى واثقة إلى بستان الموت قيل لها : تمني .
التفتت إلى العرعرة الكبيرة حيث ينفجر الدمع صامتاً وقالت بصوت دخل كل قلب ولم يفزعه :
هات ياسيدة الغناء .. قليلاً من الحناء .
خضبت كفيها ، حين طار رأسها بضربة السيف تلقفته يداها المخضبتان بالحناء . ولم تنزل قطرة واحدة فوق الأرض .. ( غطرفت ) العرعرة الكبيرة وابتدأ العرس

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *