إلى لميس ورغبتها الكامنة بإطلاق كل العصافير
أغلق بائع العصافير بابه الزجاجي .. كان الطفل يرقب الزجاج ، والعصافير ، ووجه البائع العجوز .. كانت النافذة بقضبانها القوية تمنعه من المتابعة . . وكان البعد يمنعه من التحقق في ألوان العصافير داخل الأقفاص الملونة .. الطفل أدرك أن للعصافير لوناً واحداً . قضم تفاحته ثم وضعها فوق المنضدة التي يعلوها .. ظل يمضغ ببطء .. يتوقف بين الفينة والفينة .. يتابع حركة البائع
والعصافير . فتح بائع العصافير بابه الزجاجي .. وقف خارج متجره يرقب الناس ، والعربات ، والعصافير فوق الأسلاك .. كان البائع يحدث نفسه : آه .. لو كنت أملك كل هذه العصافير . شرب الطفل قليلاً من ماء بارد .. صعد فوق المنضدة وحين أطل برأسه طار العصفور من فوق السلك الممتد أمام النافذة .. أصابت الطفل رجفة مفاجئة ، مزيج من خوف وفرح .. أغلق الطفل ستارة النافذة .. ظل يرقب العصافير .. كان يمسك بطرف الستارة .. بعين واحدة تابع العصافير ترفرف .. يسمع أصواتها تملأ الفضاء .. لكنه لم يشاهدها .. الخادمة تضع يدها فوق الطفل يرتعش خوفاً .. تقبله تمسك بيده .. تغسل له وجهه .. تعطيه كأس الحليب .. يرفض .. قطعة من خبز .. يرفضها .. حين أصرت عليه بكى .. تعالى صراخه .. أعادته مرة أخرى فوق المنضدة .. جانب النافذة .. استكان قليلاً .. مسحت الخادمة الدمع فوق خديه ثم ابتلعتها الشقة .. هبط الطفل .. أغلق الباب .. صعد فوق المنضدة .. بهدؤ حذر أخذ بيد مرتجفة يزيح جزءاً من الستارة .. عينه الصغيرة تقع على السلك .. لاشيء فوقه .. ينظر .. يتيح لنفسه مساحة أكبر .. لاشيء .. يمتد النظر .. ويمتد السلك .. تتعدد الأسلاك .. الحارة الصغيرة مليئة بالأسلاك .. العصافير لها لون واحد .. والقضبان لها لون واحد .. بحركة مفاجئة يزيح الطفل الستارة دفعة واحدة .. كانت الستارة على وشك السقوط .. أصاب الطفل هلع مفاجئ .. خشي أن تسقط الستارة عليه .. هبط .. سحب المنضدة وأخذ يرقب من بعيد .. النافذة أمامه مشرعة .. أحس الطفل بالتعب .. هبط إلى الأرض .. اغتاله نوم مفاجئ .. النوم يغمض عينيه .. يتسلل إليه الحلم .. ويمنحه سلة مليئة بالتفاح .. يخرج به الحلم إلى الشارع .. كانت السلة ثقيلة في نظر العابرين .. بينه وبين العابرين مسافة بعيدة .. يسير وسط الشارع ، العربات تمرق بجانبه مسرعة لكنها لم تصبه بسوء .. ذكره الحلم بأنه وضع له داخل سلة التفاح حباً للعصافير .. دخل الطفل إلى متجر العصافير .. قال للبائع : أنا لاأملك النقود .. لدي هذه السلة المليئة بالتفاح ، هل تبادلني بها مجموعة من العصافير .. كان البائع يحلم بالتفاح منذ خمسين سنة .. عبرت داخل قلبه غيوم كثيفة .. أخذ التفاح وأعطى الطفل العصافير .. الطفل قام بترتيب الأقفاص على أرضية الشارع .. توقفت حركة العابرين والعابرات .. الجنود قاموا كعادتهم بحراسة الأقفاص لكنهم بدون عصي أو خوذات أو خناجر .. جنود بلا بنادق .. جنود لهم وجوه أليفة .. الطفل أوقف كل شيء .. ماذا سيفعل ؟ .. فتح الطفل أبواب كل الأقفاص .. خرجت العصافير .. ترفرف .. ترد غناء جميلاً .. الناس يفرحون .. تحولت الأقفاص فجأة إلى عيدان من ورد والعصافير تملأ الحارة .. ابتهج الطفل .. انقلب على جانبه الأيمن .. استيقظ .. الستارة سقطت على أرضية الغرفة .. تذكر ماجرى .. اندفع بالمنضدة إلى جانب النافذة .. نظر فإذا البائع لازال يراقب الزبائن والعربات .. والعابرون والعابرات يلهثون .. نظر إلى الحارة فإذا بها مليئة بالأسلاك .. عاد كئيباً .. فتح باب الغرفة .. كقط جائع .. ارتفع ببصره إلى الخادمة .. هطلت دمعة حارة .. تذكر جوع العصافير .. وجوع البائع .. جوع العابرين والعابرات .. قالت له : – أتريد قليلاً من الحليب ؟ هز رأسه .. أعطته تفاحة .. فتح النافذة .. شاهده البائع العجوز .. قذف بها .. انتثرت فوق الأرض .. ومرقت فوقها عجلات العربات المسرعة .

0 تعليق