كان اسمها {زينه} مليحة اليدين والوجه والقدمين .. لكنها حزينة . تلبس مثلما يلبسون . ثيابهم سوداء .. لحظتها اتفق العالم المتحضر على أن السواد هو لو الحزن العميق وهو نفسه لون السهرة الصاخبة .. تناقض مريع .. كان اسمها زينه يحبها الجميع لأن عينيها سوداوان ووجهها مضيء .. لأن صوتها ينثر الطيوب لكنها حزينة .. وحيدها أب يكافح .. ويحرث الحياة يزرع الأيام
لعلها تزهو في أصابع الحبيبة الوحيدة . مع الطيور وجوههم سمراء قاسية نظراتهم .. حنونة متعبة ساعاتهم .. وفي النهاية تثمر السماء تسعين نجمة تنتفض وترقب القمر .. كالأطفال يفرحون يضحكون .. وكالرجال لا تدمع العيون .. وحين يغضبون حجارة لعينة .. وحين يجرحون تنبت الأشواك والذئاب والثعالب .. الغرفة الصغيرة .. والمصباح شاحب . الليل عواء كلب .. والحزن والألم بقية من صبر تنزوي في قلب الأب الوحيد .. عينه تجوس فوق وجهها .. يحمر خدها .. الحمى .. وينحني وصرخة عنيفة : يا سماء .. أمطري حجارة وشوكاً ..تصيح في رجاء فينحني تقول : ماء . ويجلب الأمل ويرفع النظر يهمس : يا سماء . الأب الوحيد : أيها الموت أناديك لا لتقترب . أصغ لي .. ما نفعها الحياة بدون من نحن ما نفعها الحياة حين نطرق الدروب بدونهم ما نفعها الحياة . وضع يده فوق عينه مسح وجهه استقرت أصابعه فوق شفتيه {أبى} واقترب {أبى} حقلنا الصغير في ركنه الشرقي زرعت زهرة جديدة أريد أن أراها يهز رأسه للمرة المليون . وتدخل الجارة العجول يقال : حين تنبت الأعشاب والحشائش تموت فجأة غابة قديمة . كاذبون . من يحبني يمنحني في الدقائق الأخيرة باقتين من عزاء {يا ليل .. يا مرود السهر .. يا ليل إبنتي الوحيدة وزهرتي دعها تشم في الصباح روائح السماء}. {النار} قالت العجوز الجارة الثرثارة تفسر العواء والكلب لا يزال {الموت والحياة نفس جديدة تفد أو هو الجسد يملها الحياة}. يا للمأساة ليس في القرية القديمة امرأة . امرأة واحدة تحمل البذور . ” وتسأل العجوز في بلاهة ” يا وحيد زينة النار مطهر قديم كلنا سنكتوي لم لا يكون الأن . الغيوم والأحزان تملأ العيون .. تذكر حين كانوا ثلاثة تظلهم سماء ضاحكة الطيور الزرقاء .. بعيدة دفينة البحار . والخوف كان في القبور .. وكانوا ثلاثة .. مريرة يا ذكريات الأصابع الحزينة تشد لحمة الوجه . ترد دمعة سخينة . يقول في قرارته : أأموت مرتين ؟ مستحيل وبعدها أمارس الحياة كأي دابة تعيش تأكل تشرب تراقب تسعة أشهر شيئاً اسمه الورم . وبعدها أعيش ! قام . هناك . هنا في كل بقعة ينالها الضياء. تنام دائماً الأعين المريضة المتعبة فوق حبل سميك ينامون فوق الحبل كنومة طائر ينعتونه بالديك . يا موت يا طيور زرقاء فلتخترق في سمائها الأجنحة يا مناقير تكدست في الحقل ألف ألف سنبلة لكن قمحتي الوحيدة أنا زرعتها أنا سقيتها أريدها لي تمنحني العزاء يا طيور زرقاء ها أنا البديل مساحة كبيرة تموت أنت تسعين مرة قبل أن تصل . ودع حبيبتي الوحيدة تقطف من ركنها الشرقي زهرة شدية يا موت ها أنا . ها أنا . ودخل .. ترتجف . جذب فوقها الغطاء . أطل يحملق ويرقب الموت من أي جسر تعبر الألام لتدخل العيون ترتجف تبكي . تذبل .. تتهاوى لا تطلب شيئاً سوى الماء وتسأل عن الزهرة . يمنعهم من الدخول بالقوة بالحيلة يقولون له : زينة زهرتنا جميعاً دعنا نراها لن تموت يا وحيدها العنيد .. يقول في هياج رأيته في الليلة الظلماء سمعته بأذني ينهش الضياء ومن هناك من كهوف الليل رأيت تسعين طائراً بأجنحة زرقاء قادمة. الليل يلد . ساهر يرقب العيون الذابلة يناله التعب عصاته الغليظة في يده قلبه في يده عينه في يده لكنه جواد الشوط يقترب لابد أن حدوة خضراء أكلت صدرها الرمال . الجواد واقف والشوط يقترب عينه تنام . ومن كهوف الليل تجيء من وكرها الطيور لتحمل الوحيدة الحزينة ترفعها مغمضة العينين تغيب . وفي يده عصاء غليظة . ويستفيق فجأة. الجواد يعاود الركض . لكن أين الفارس الحبيب؟ . ويصرف العجوز {إبني} الكلب يبتلع لسانه .. يزدرد عواءه . والأعين الحزينة . الحجارة ملعب الصغار الزهرة الوحيدة تموت في باطن التراب ويصرخ العجوز صرخة طويلة جذورها في الأرض ويرفع العيون فوق فوق يصيح فينبت السحاب وينزل المطر.
0 تعليق