تراجع ألف خطوة .. أصبح خارج منطقة الضوء .. تلك اللحظة استطاع بحركة عكسية أن يرى الأشياء .. يتفحصها .. دون أن يسقط عليه الضوء ويتعرى تراجع ألف خطوة .. الظلام يحيط بكل شيء .. كثيف .. دغل من هالات سوداء تتماوج .. التقط أنفاسه وبدأ يمارس حريته المعكوسة .. يتمدد على الأرض .. التراب هو التراب .. الرائحة تختلف .. ألف هذه الرائحة بعفونتها التي لم
يغسلها النور ولو لمرة واحدة .. يتذكر بشيء من التقزز سقوطه على وجهه حين واجه النور .. رائحة التراب المحروق تصل إلى عينيه .. أحس بالعمى .. جف حلقه ..ونبت الظمأ .. تراب متوهج .. حي يتنفس كل ذرة فيه وتكاد تكون من ذاتها جبلاً يموج بالحركة ..{هنا – في الظلام . حياتي }. قالها وهو يهمس .. كأنه يخشى نفسه .. يكرهه ذلك الشعور بعقدة الذنب الذي لا يلبث أن يغيب حين تتحرك أكداس الظلام .. ازدواجية عجيبة .. تفترسه ليلاً ونهاراً فيما يجب أن يكون وما هو كائن .. في الظلام يشعر الانسان بوحدته وانفراده .. في الظلام تنمو طفيليات كثيرة سامة يقتلها النور ان استطاع أن يناله . حزمة من ضوء تنبعث على مقربة منه .. أشعلته ضوءاً وبهجة . ابتسم كالمأخوذ .. ضحك بصوت هامس .. ارتفعت ضحكته .. تعالت .. حتى ملأت الفضاء .. هستيريا من الضحك تتناوبه بين حين وآخر .. صمت متراكم .. يرقب بعين يملؤها الفزع تلك الدائرة من الضوء .. تتسع .. وتكبر .. وهو يتراجع آلاف الخطواط .. يتقهقر ومحيط الدائرة يأخذ في الاتساع .. يهرب لم يجد ملجأ سوى كهف كبير .. يلجه .. النور خارجه يجعل الحياة تتمدد .. تنمو .. في داخل الكهف سجون كثيرة .. تقيد حركته وهو يدلك ذلك .. يحس بالاختناق .. يخرج يده من كوة صغيرة خارج الكهف .. حيث الشمس تملأ الوجوه بالحب والعطاء … يعيد يده .. تشتعل بياضاً .. يصيح بهلع .. داخل الكهف رجع الصدى يملأ أذنه فيخيل إليه أن أشخاصا ًآخرين يرددون كلاما ًمبهماً لا يفهمه .. يحمل يده باليد الأخرى ((البرص .. البرص .. البرص)) . خرج من داخل الكهف .. هبط الأسواق .. لا يرى شيئاً .. سقط .. تجمع الناس حوله اختلفوا على دفعنه – لا يتفقون أبداً – . ثم اتفقوا .. فريق هنا وفريق هناك .. الجسد يدفن بعد قطع اليد البيضاء ودفنها في مقبرة منعزلة لأنها يد رجل آخر . أما الجسد .. فحينما قفلوا راجعين .. لم يعثروا على شيء سوى شجيرة صغيرة تنمو فوق صخرة عريقضة .. كان قد سقط فوقها .. سقوها ماء .. ذوت .. يبست .. ثم هبت ريح نقلت الأوراق اليابسة لتسقط فوق المقبرة .
0 تعليق