المرآة المشروخة

28 أكتوبر، 2011 | الخبز والصمت | 0 تعليقات

اكتشف – لأول مرة – بأنه يتمتع بدرجة لا بأس بها من القبح .. الزمان .. المكان.. الكيفية .. تتابعت في مخيلتها . ظهر ذلك اليوم – الاثنين- السوق في قريته الصغيرة مليئة بالناس .. الشمس تطأ الرؤوس التي تحاول اتقاء لهيبها – بالغتر بلونيها الأحمر والأبيض – بالمناديل الصغراء المنقوشة على رؤوس النساء. الفواكه . الحبوب . السمن .. العسل .. قلت ماذا ؟ النساء ؟

نعم النساء بائعات التفاح .. الفاكهة الأولى صحيح أنه صغير ولما ينضج ولكن ما العمل ؟ فالجوع لا يعرف الانتظار ولا بد من الحصول على نقود . لا يملك شيئاً سوى غسيل ثياب كل يوم واحد. ينشرها فوق حجارة الوادي ..غالباً لا يأمن تلك الطيور المارقة والتي تدفعه إلى تكرار غسيله مرة أخرى مع الطيور يحمل عصاه القوية ليست بالطويلة .. فهي أما للعميان.. أو للجبناء.. ضربة واحدة تضمن له المبيت في سجن القرية المجاورة الأهلة بالسكان. شاهدتها.. طريقتها في وضع ((الشيله)) فوق فمها تعطيها سحراً خاصاً . المنديل الأصفر يزيدها حلاوةً . عيناها تنتقلان في أمن الظبية .. يقترب .. مملوء ثقة وشبابا. أه من النساء .. صنيعة مذهلة .. ريفية أتعبتها الحياة .. جعلتها ضخمة . مخضبة بالحناء التي ارتبطت رائحتها في ذهنه على مدى الأيام. –    الله يأخذ عقلك ما معكمفي بيتكم مبصرة ؟ الجندي التابع لهيئة السوق . كاد أن ينتزع كتفه وهو يحاول ايقافه بعد محاولته الفاشلة مع بائعة التفاح ..اللعنات تلاحقه .. أصابع الجندي الحديدية تنغرز في لحم ساعده.. –    بشويش قالها بألم .. التفت .. وراءه حشد هائل من الصبية الصغار.. يتضاحكون.. الكبار يهزون رؤسهم امتعاضاً . اخترق فرجة بين هذه الصفوف رآها .. وقد جلس أمامها رجل ذو هيئة نظيفة . فارع الطول .. العقال الهابط على جبينه بشكل لافت يجعله يقسم بأغلظ الايمان انه قد ثبت خفية بدبوس . قبيح .. اكتشاف متأخر . الحصوة . الرغبة فاتي يعرف بمدى سرعة تراجعها تنزرع في وجوه من يلاقيهم . بعد هذا الاكتشاف تحول إلى عين تقول : هذا قبيح وهذا جميل . ماهو المقياس ؟ هو لا يعرف لأن الناس ليسوا من طينة واحدة . فلمن يتوجه بالسؤال؟ .. بعد خروجه من السجن الذي قبع فيه ساعات طويلة .. يتابع جيوش البق .. وقف وسط الغرفة .. الرائحة النتنة .. روث البهائم في كل زاوية .. لماذا هذا الربط بينه بين البهائم ؟ الفشل . سوء التصرف .. وإنما تفشل حتى أصبح الفشل ريقاً لك لا تستنكر طعمه . انتفض بعد أن انغرزت في قدمه شوكة طلع قليلاً . استدار إلى الجدار الوادي المملوء بالأشجار من كل نوع .. قبل أن يجلس مفترشاً الأرض ، شجرة التوت بثمارها الحمراء تجعله يمد يده ليقطف أوراق التوت تتساقط أمامه بعد جذب الشجرة . بالكاد يحصل على واحدة . يا لسوء الطالع .. شديد المرارة . أخرج سكينته .. قدمه من أسفل طبقة سوداء تشعر من يشاهدها بأن لها زمنا ًموغلاً في القدم لم تعرف الماء .. شهر .. شهرين الدنيا برد .. والغدران لن تكون دافئة إلا في وقت الظهر . حيث يكون منهمكاً بعمله الدي يدر عليه دخلاً محترماً مقابل حماية المزارع من الطيور .. حتى الطيور تغتسل مع أنها لا تهبط الأرض إلا نادراً . الفارق بيني وبينها أنها تغسل عرق البحث وليس رائحة العفن .. خرجت الشوكة بعد أن اضطر إلى اقتطاع جزء من لحم قدمه .. أغمد آلامه وسار .. صوت قدميه فوق حجارة الوادي الصغيرة أشبه بايقاع متلاحق .. خطوة . لابد من ولوج هذه السوق .. وبشكل رسمي.. لا يلفت الانتباه .. بل ويجذب النساء إليه .. لديه مبلغ كفيل بأن يفتح له دكانة صغيرة متنقلة .. لكن ماذا يبيع ؟ ماذا ؟ {المرايا والصابون}. النداءات تملأ السوق .. من بينها صوت جديد من موضوعه مألوف لدى أهل القرية في سماعه .. أليس هو صوت المحامي ؟ نفس الشخص هذه المرة .. صابون الزينة .. مبصرة الزينة .. النساء يقبلن عليه يشترين منه .. فجأة .. في قمة فرحته .. نشوة النجاح .. الانتصار على النفس. قبل كل شيء .. الاحساس بلذة العمل .. بطعم التوفيق من بين الأقدام الناعمة المتراصة .. الصفوف تتفرق والأصوات تهدأ .. الحذاء الأسود الضخم يعرفه معرفة مؤلمة .. المسبحة الكبيرة تلطم وجهه .. المرايا تتكسر .. الصابون يتناثر {مسكين} تخترق أذنه .. كانت المرة الأولى التي يرى الوجوه على حقيقتها .. عارية من كل حب.. رآها لكن في مرآة مشروخة.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *