– لم يبق سوى زجاجة الفانوس الكبير .. ثم أملأ الشيث بالكاز . سعلت بشدة حتى ظهرت عروق صغيرة زرقاء فوق جبينها الصغير الأسمر .. عطست .. مسحت بظاهر كفها أنفها البارد .. والذي تشبهه أمها بأنه مثل أنف بقرتهم لا يجف أبداً .. غداً يوم السوق سوف يأتي ((الفركس)) والحماط والعنب .. لكن حظها سيء فلن تتمكن من شرائها جميعاً .. لقد سرقت أمس من
المخزن كمية كبيرة من حب الشعير وحتى الأن لم يفظن أبوها لهذا النقص .. ابتسمت وهي منكبة تكنس الأرض .. كم امتلأ رأسها فخراً عندما وزعت حبها المسروق على زميلاتها .. لقد ملأ دعاؤهن الذي حفظنه من أمهاتهن قلبها سرورا ً..أما هي فأعانها الله مرة ثانية على التسلل إلى المخزن .. ولتأخذ هذه المرة قمحاً فهو أكثر اغراء لبائعات الفاكهة وأشد تأثيراً .. نعم عنبا ًأشرتيه.. وآكله وحدي .. انتهي عملها .. انتصبت .. ثم رفعت يديها متمطية .. صرخت بها أمها. والتي كانت بجانب النار تنثر البخور قبل مجيء الزوج من صلاة المغرب .. تمطى بعيداً.. لا توزعينن كسلك علينا ونحن لا نزال في أول الليل ! ذهب توضى وصلى . وقفت الطفلة الصغيرة فوق العتبة نسيت ما قالت لها أمها وبلا وعي تمطت مرة أخرى .. – يوه .. أكلم الجدار والا أكلمك .. صدق أن العقل زينه . الليلة تمر .. والعجوز التي تحب حكاياتها الكثيرة .. عن زمان شبابها .. وأن الدنيا كانت أحسن .. وصدق أن الحياة فتر وعدم لكنها حياة لذيذة .. وترفع الطفلة الصغيرة رأسها : يني ذا الحين أحسن من زمان؟ وتضمها العجوز : أيوه أحسن وأيوه أسوأ .. ارتاح الجسد لكن انشغل الخاطر. تنتهي القهوة .. والرماد يتكوم .. الصغيرة تبتسم .. العجوز في صراع دائم مع النعاس .. يجذب رأسها المملوء دهاناً لامعا ً.. ثم تنتفض وقد احمرت عيناها أدركت هذه الحركة .. أشبه بمؤثر نهاية السهرة .. تمسوا على خير . – الساري يلقي خير .. نزلت ترافقها إلى الباب بيده اللمبة الصغيرة . الباب الكبير لم تستطع اغلاقه .. أسندت ظهرها إليه .. ثثم دفعته بقوة . باب المخزن موارب . إذاً فلتأخذ قمحاً . الظلام يملأ باطن الغرفة .. السعال في الداخل .. عواء الكلاب .. الطفلة في فراشها نظرت إلى سقف الغرفة .. الخشب المتراص فوقها أرضية جسر تخيلته ينقلها إلى هناك حيث السيارات والحياة الناعمة .. والثياب الجميلة .. بعيداً عن ليالي الشتاء .. وقام الصباح .. والبقرة والأرض .. والقصب .. والحطب .. تنهدت ثم غفت . السوق تمتلئ بالناس .. الرجال يغص بهم منزلها الصغير .. والأب لا يغادر والأم احمر وجهها من وهج التنور وهي ذاهبة آيبة بالأقراص الحارة . الكوة السوداء في المطبخ ومرتادو السوق أخذوا بالتناقص . الشمس في كبد السماء .. وهم يشددون ظهور جمالهم وحميرهم . تخرج بعد أن لبست منديلها الأصفر الجديد والذي لا يتناسب مع ثوبها الأسود القديم والذي تحول إلى لون ترابي .. وضعت القمح في طرف ثوبها ورفعته عن ساقين نحيفتين قد انتهتا بقدمين .. لونهما أسود .. من الحناء والبرد والوسخ .. أطفال قريتها يتجمعون حول سيارة حلوة مليئة بمجموعة من الأطفال .. الصغار والنساء .. بنات في مثل سنها أكثر بياضاً ونظافة .. سقطت من يدا احداهن حلوى تزاحم الأطفال .. التقطها أحدهم وردها إلى الطفلة بابتسامة صافية .. وردت الطفلة النظيفة بابتسامة مثلها لكن الأم صرخت بها : أرمي بها .. التقطها أحدهم .. أطفال القرية .. ثياب ممزقة .. مخاط يسيل.. شعر قذر .. أحدهم زاده الفقر قبحاً {أمه .. أمه .. شوفي القرد} يتضاحكن .. ينظر الاولاد إلى صديقهم .. في صمت ثم يعودون بأنظارهم إلى الأشياء اللامعة .. تصل الصغيرة إلى البائعة الأخيرة . بعد أن طافت عليهن جميعاً .. انتهت الفاكهة لم يعد معها سوى عنقود عنب حامض أرادت أن تعطيها بلا مقابل .. هزت الصغيرة رأسها في رفض .. قالت لها : يعني تعطيني القمح .. هزت رأسها .. موافقة عادت بالعنقود. السيارة ترمي بالفاكهة لهؤلاء الجياع .. يتزاحمون .. الدم يخرج من أنفه يضحك.. يمسحه .. يأكل البرتقالة يقشرها . نظرت إليهم في صمت .. خذي .. رفضت .. أكلت العنقود. خرجت دمعتان لم تدر أهي خيبة آمل .. السيارة مخلفة وراءها من غبار الصغيرة تشاهد الجسر .. ولكنه جسر مكسور .. عادت لتجد أمها تحلب البقرة قبلت أمها .. ثم قبلت البقرة .. والأم تتعجب ثم تمضي في الحل.

0 تعليق