الجنادب

28 أكتوبر، 2011 | الخبز والصمت | 0 تعليقات

جاء .. تجمعوا .. الوجوه يعلوها الألم .. الفرح .. النقمة . يتشكل رد الفعل بقدرته على تغيير نبرة صوته المعبرة .. من حزن حاد يشعر سامعه بأنه صادق في ما يرويه .. إلى فرحة ملونة تجعل دماء الحياة تصب في الوجوه المشدودة إليه .. ذكياً يعرف نقاط التشويق في حديثه .. يلوذ بالصمت حين يدرك أن الكل يرقب نتيجة ما .. عندما يعرف ماذا يعني ذلك البريق المشع من العيون

المشحونة بعلامات الاستفهام .. يسوي من وضع غطاء رأسه .. يسعل بانفعال ..  يركز نظره في السماء البعيدة .. بيده يكسر عود الحطب الملتهب .. ويظل يسحق الجذوة أمدا ًليس بالقصير.-    وهذه الحكاية وأنا أعني ما أقول .. الصمت ينفخ الصدور .. يسمعون دقات قلبهم بوضوح .. يشبكون أصابعهم .. لا أحد غير من جلسته وهو يسمع القصة . نظر في أعينهم .. عرف أنه نجح وهذه خطوة. رجل غريب أنساهم اندهاشهم السؤال عنه . من أين ؟ وكيف ؟ ولماذا جاء اليهم بالذات ؟ .. انه يحدثم عن  عالم لا يعرفونه .. شعروا في داخل نفوسهم بانه يعرفهم يفهم أوجاعهم. –    حتى هذه اللحظة يجب أن نكون على حذر فهو مهما بلغنا من انبهارنا به رجل مثلنا . يقف آخر .. –  رجل مثلنا . نعم . ولكننا جميعاً لسنا مثله .. انه {سيد} والسادة لا يكذبون . ثان – بل  الحق معه يجب أن نسأله جميعاً ونتفق على الأسئلة . ثالث – ومنذ متى وكل منا حراً فيما يريد . رابع – {عرف بحدة المزاج وسرعة الإنفعال} ونائب القرية ؟ صامت دائماً . خامس وسادس وسابع – لم يتفقوا إلا على شيء واحد . الغريب هو الصادق . الشمس إلى الغروب .. تأخذ معها الأصوات فتهدأ الأماكن والمنعطفات .. وتأخذ معها الضوء فتثير في النفوس كوامن الغيظ والحسد .. الحب والكراهية .. الأمل واليأس . ولأول مرة ..منذ جاء هذا الغريب والناس في القرية التي عرفت بهدوئها تأخذ في التغيير فهم لا يملكون الحديث عن هذا الرجل .. وكلامه الممتع .. والقصص التي لا تنتهي .. جميعهم في وقت ما يرفضونه .. يهيئون أنفسهم لسؤاله . المحتدون تقودهم حدتهم إلى الرغبة في طرده .. ازاحة النائب وتنصيبه بدلاً عنه . عندما يفتح فمه للحديث .. تقف علامات الاستفهام . لتصبح آلافاً من علامات التعجب والاندهاش .. كل شيء في هذا الوجود يستقيم بالمعرفة .. بالقدرة على التأثير .. يبتلعون تحديهم .. تتراجع الأكف المنقبضة .. تنبسط الأصابع المتجمعة .. وتنحدر الألسن لتسد الحلوق. الجنادب تتقافز .. الأرجل المشارية تدفع الأجسام إلى حيث النور .. العيون تصاب بالغشاوة .. لا ترى شيئاً .. الأجسام ما زالت تندفع .. الأشعة القادمة من النار تغريها بالاقتحام لتتساقط محترقة .. رائحة الشواء تتصاعد .. البطون الجائعة تصدر أصواتاً يجاهد الكل في اخفائها بالحركات والسعال .. ينهر الكلاب المتجمعة حول دائرة الرجل الغريب. الكل منبهر .. الكل مصدق .. الراحة .. الصحة .. الطعام .. اللحم .. العسل .. سائل ينتشر فوق السنتهم .. رائحة الأماني تصعد إلى عقولهم .. تنغلق العيون . وهج النار – مع ذلك – يظهر وراء الأجفان المغلقة . ليلة عنيدة باردة .؟ رياح هوجاء .. رعود مخيفة .. بروق تضئ لاوادي تكشف حتى الأماكن التي يخفى فيها الشجعان لحظات جبنهم واندحارهم . الأعماق التي يخبئ الفضلاء فيها رذيلتهم وسقوطهم .. الماء ينهمر بشكل رهيب من قمم الجبال .. يجرف الخيام والمنازل الحجرية المتداعية .. الأغنام .. الأبقار .. مزرعة القرية .. صراخ النساء يتعالى .. الماء ينساب .. تلفت كل الأشياء .. لا أمل في الانقاذ .. سوى الأرواح وهي في النهاية أثمن الأشياء .. انتظروا منه تصرفاً .. الصمت يلف المكان .. فوق قمة الجبل .. الليل .. البرد القاتل .. عويل النساء .. بكاء الأطفال .. الوجوه تزخر بالغيظ .. غيظ منهزم .. الشمس تشق طريقها إلى السماء .. تملأ الوادي دفئاً .. لا يصل إلى القلوب فقد تحولت إلى صقيع بارد .. الأعين مصلوبة على الأرض.. حيث لا شيء . امرأة { بصوت عال ونبرة واضحة هادئة }: –    هذا الرجل الغريب يجب أن ينال عقابه فهو قاتل . ملانا بالأحلام فأنسانا مامنحتنا أياه هذه الجبال والوديان من حذر وترقب وصبر .. أقتلوه .. أقتلوه .. العيون تتجه إليها .. كانت في الخلف .. البعض لم يكن يعرف صوتها .. هذه المرة وصل إل أعماقهم جميعاً . الأنظار تتجه مرة أخرى صوب الأرض .. حيث المياه تجرف أمانيهم .. وأحلامهم التي رزعوها .. المياه تأخذ في التوقف .. تحمل معها تربة جديدة .. المرأة { بدرجة لاصوت نفسها } : ماذا قلتم أيها الرجال ؟ المزارع يهمس .. بعد أن عاد من أسفل الوادي . لقد حمل معه السيل تربة خصبة فلنبدأ من جيدد .. الرجل الغريب يخرج من صمته .. الصوت الساحر يبدأ في الحديث. –    لا يجب الاعتماد علي فسوف أبني لكم كل شيء .. ولكن أطلب الطاعة . المرأة تصرخ .. الشمس تبتعد ، سنفقدها في يوم من الأيام .. لأننا ندفن في داخلنا الحق لأننا نتعلق بالشيء الغريب لأنه غريب فقط .. نعشب المرايا لأنها تكشف خارجنا فقط .. ماذا لو كانت الرايا تكشف الخواطر .. والنفوس والأهواء .. سنحطمها أليس كذلك ؟ سنحطمها .. أسألوا أنفسكم .. لماذا ترحل الشمس كل يوم .. وتعود جديدة .. ناصعة .. أرحلوا عن هذه الأرض .. أعرفوا قرى جديدة .. أقواماً جديدة .. تجارب جديدة . الجديد لا يأتي ليستعبدكم طالما أنتم أقل منه شأنا ومعرفة .. فليذهب قسم منا إلى الجديد في موطنه اللامحدود . وسنعود لأرضنا لأنها أحق بالبقاء . –    فلتحترس المرأة .. قالها الغريب بصوت فيه رائحة التحدى لند مماثل . نائب القبلية – أهناك من النساء من تتطاول لتقول رأياً ؟ –    نعم  أيها الحمل الوديع . أنا . برزت أمام الجميع . تحمل طفلها . وضعته فوق الأرض أمام العيون . –     لقد مات أبوه في هذا الوادي المهجور . وسأموت .. بل نموت جميعاً ميتة هذه الأغنام التي جعلتها السيول جلوداً ممزقة فوق الصخور . الرجال ينكسون رؤسهم . الغريب يهبط إلى الوادي . اجتمعوا مرة أخرى . أين النائب ؟ لا أحد يعرف أين ذهب . اختفى فجأة . الرحيل .. وكانت المرأة في مقدمة القافلة .

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *