تموت وحدك

28 أكتوبر، 2011 | الخبز والصمت | 0 تعليقات

{أنت رجل مشاكس .. عنيد تفرض رأيك في زمن الحوار} .. اندفعت الدماء . صبغت وجهه . ينخفض نظرته المنطلقة من مكان مرتفع ، التعالي والكبرياء ؟ وعلى ماذا ؟ أعلى حفنة من نقود اشتريت بها نفوساً فقيرة . منهزمة ؟ أنا صديقه الوحيد . رفيقه الذي يعرفه تماماً .. بل ويكشف الانسان الخائن . الانسان البخيل . الانسان الأناني . يكشفهم جميعاً . هناك في داخله .

حيث لا يمكن لنقوده .. عرباته أن تلعب لعبة الزمن {الرديئة}. { أتذكرها تلك الليلة } حين ماتت أمك . حين اندفعت كسيل متراكم وراء حاجز الصبر الكاذب . والقدرة السرابية على التحمل . لتبكي … تبكي كالأطفال الذي لا تلبى طلباتهم كالنساء حين يجرحن في محبتهن . لحظتها رأيتك عارياص . مجرداً . لأنك قلت كل شيء .أمك . كانت الجدار الذي تستند عليه . أمك كانت الظل ظلاً أنساك أن الشمس لا بد وأن تطاله . أمك . الأوراق التي تخصفك . وحسبت أن الخريف لن يأتي ليجعلها تتساقط.. يابسة. لتنكشف عوراتك . وأمام من ؟ أمام نفسك أول الأمر }. { وبكيت . اخترت البكاء أمامي . أنا بالذات . لأنك تعرفني معرفة حقه . تعرف أنني قد صفعتك . وأمك لا تزال على قيد الحياة . الظل لا زال ممتداً والأوراق لم يصل إليها الجفاف بعد . أتذكر ؟ . حين أردت أن تهبني من نقودك ولماذا ؟ لأنني قلت لك : ان الحياة تبدلت فأصبحت المادة كل شيء والنقود هي السيد المطاع . فحدست – وكان ظناً خائباً – أنني ألمح لك عن فقري . عن عدمي . فأدخلت يدك . لتخرجا تنشر الكبرياء كفاكهة فجة وغاب عنك رد الفعل . ولم استطع أن أفعل إلا ما فعلت . وكنت شاباً قادراً أن ترد على اللطمة بمثلها . واكتشفت أنني لم أصفع سوى الانسان الكامن في داخلك . في الداخل حيث الصور الحقيقية}. {لقد هزك موت أمك . السيدة التي شوهت الرجال في ناظرك وشوهت النساء . وغرست فيك أنهم جميعاً يشربون من بحر الخيانة والرذيلة وأخبرتك أنك بالنقود تستطيع شراء كل شيء . كل زمان . وفي أي مكان . وكانت مخطئة . لأنها مرت بتجربة مريرة نعم . كان أبوك يخونها . هل تساءلت يوماً ما لماذا ؟ لم حدثت هذه الخيانة . لا تتحدث. لا تبرر شيئاً . كفانا تمثيلاً . أنا ساجيبك لأننا يا سيدي العزيز . نسجن أنفسنا . ونتعذب من هذا السجن وله . ثم ترتكب الخطايا ونظنها شاطئاً آمناً . وترتكب الخطايا ونبررها بأننا نعيش بألم . لم نكن نعرف أننا نمارس الهرب . ونتوقف لنعاود ذلك من جديد . نحن غير قادرين على النفاذ من شجننا الذي صنعناه بأيدينا . ونظل نقبع كخفافيش فقدت القدرة على السمع . فلا هي بقادرة على الطيران وليحدث ما يحدث ولا هي بالميت الذي اننتهي أمره }. {ولكنها خائنة أيضاً }. استدار بحركة مسرحية . وقف أمام النافذة ونظر إلى البعيد. اقتربت منه {ستموت وحدك } كالملسوع انفتل راجعاً إلي . مصفر الوجه . كررت ذلك تعميقاً لما أريد  {ستموت وحدك يا صديقي لأنك تود العيش منفرداً . لذاتك فقط ، أخرج من سجنك هذا وأنظر إلى صياد يرقب البحر الكبير المجهول . يجوع الصياد والبحر يزخر بالرزق. يعري والبحر مليء بالدفء . يمرض . يبكي . يجأر . ينتظر . ثم يقذف البحؤ ربما بمحارة وربما بزجاجة فارغة ممتلئة بالرمال . وفي عمق البحر كما هي الحياة هنا. يأكل السمك الكبير أسماكاً أصغر}. { أخرج من صومعتك الذهبية . اذهب إلى جبال تملؤها الحجارة الحبلى بأسرار الكون والناس . تلفها الأشجار الصامتة برهبة ووحشة اذهب إلى قرية يأكل الذباب عينها الوحيدة . حيث يعيش الرجل والمرأة تحت الشمس والليل والأحزان . غير نعجة وخمس من ماعز . يركضون وراءها من مكان لآخر . وبعدها يبيعون تعبهم في سوق يربح فيها المشتري . العطايا التي تعطيها لاناس حولك . اعترف بأنهم أكثر منك عنى ورحمة لأنهم أقل منك وأقرب إلى القاعدة}. {ستموت وحدك فأنت طويل جداً في بلد تملؤها الأقزام ولابد أن تتعدد حتى يمكن لك أن تعيش بدون عذاب { ستموت وحدك}. وكأني بلكمتي هذه فجرت شيئاً ما في داخل عينيه . فاذا بظلام عميق يلفها وهبط الصمت . تركته بمفرده . وفي الصباح . بحثت عنه في كل مكان لقائنا فلم أجده . وهناك فوق صخرة وحيدة تربض فوق الشاطئ ويصل اليها الموج ويتراجع في حركة لا تتوقف وجدته. أحس بقدومي . تجاهلني ظل منكساً رأسه . مطرقاً إلى الأرض . دون أن يلتفت إلي . {لقد طلقتها } صوت الموج . يلطم الصخرة . وأردف {استعدت حريتي} ضحكت . ضحكة مدوية .. ابتلعها البحر في تراجعه نحو الأفق. {لو انني أستطيع . لقتلتك . وطفلك الصغير ؟ } . صاح في وجهي . { ليمت لا يعنيني هذا في شيء . أريد نفسي وسوف أجدها}. ولكى . واختلطت المياه المالحة ببعضها . توقفت دموعه ولم يتوقف البحر في فجر يوم أمتلأت سماؤه بالسحب السوداء . عثر على جثة فوق الشاطئ . وكفه ممتلئة بتراب الشاطئ حملها سبعة من الصيادين الفقراء . صعدوا بها جبلاً وعلى قمته العارية من الأشجار . دفنوه . وفي صمت عادوا إلى البحر .

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *