الاتجاه شرقاً

28 أكتوبر، 2011 | الخبز والصمت | 0 تعليقات

استشهاد أخيه انتزعه من واقع يمارسه .. انتصب على قدميه والدم يكاد ينبع من كل جزء من وجهه .. بيده اليسرى ذات الخاتم الذهبي يرفع الشعر الناعم الطويل والمسترسل على جبينه وكأنه شاهد على حياة تضج في جوانبها المتعة .. هذه اللحظة نظر إلى الأرض دمعة حارة تنحدر .. بأصابعه المرتجفة يشعل لفافة .. { البكاء للنساء .. حكمة قديمة حين كان الرجل يملك

الصحراء الواسعة ، أما وهو يعيش في حديقة تنبت الياسمين ويربي بجانب أطفاله القطط والكلاب ؟ ؟ .. صواب . وهناك . الجبل يزرع الحجارة الأرض ليست مستوية وإلا لكان الجميع سعداء .الشمس تصنع الظل .. الكراهية تلد الحب .. ليس هناك أطراف كل شيء نسبي } بيده المعروقة يضغط بلفافة التبغ التي لم تكتمل .. بقايا من دخان يتصاعد شيئاً فشيئا .. خيل إليه أنه دخان الحرب .. حيث يرتبك الموت فبمن يبدأ ؟ الأجساد تتهاوى .. كل الجنود صورة لأخيه الحبيب .. الألم يعصره .. جبان يقبع وراء المذياع لا يملك من القدرة على المشاركة سوى كلمة ((لو)). الفرق شاسع بينه وبين أخيه شاسع .. (( هو الدون جوان)) .. جامع البنات من حوله – الهوية العصرية كمعظم الهوايات التافهة في هذا الزمن .. ومع ذلك فقد كان يحس بأ،ه أكثر الناس بعداً عن الحب الحقيقي . أما ذلك البعيد .. البعيد الذي لن يعود . فقد أحب بصدق . ومات بصدق . دخل الكلية الحربية من أجلها أرادته أن يكون ضابطاً يدافع عن أرضه .. عن حبه .. تلمع له النجوم . ابتسم .. الوجه القادم من هناك – يزهر حنانا ًوحبا ً: { أتعرف ماذا قالت لي ؟ }. قالت : {لو كان بيدي وضع الرتبة لوضعت فوق كتفك يا حبيبي نجمة وقمرا}. ازداد وجهه اشراقاً .. التفت صوب منزلنها : {الأنثى هي. هي أحبها وسأحارب من أجله} قالها وكأنه يقف أمام عدو مجهول يحاول أن ينتزعها منه. الحب .. ارتباط رائع .. امتزاج تمثله المرأة والأرض .. ليس هناك انفصال الانسان بلا أرض انسان بلا حب . أمه.. تأتي إليه .. تحمل المذياع وفي عينيها فرحة قد أحاطت بهما هالتان سوداوان البيانات الأخيرة عن المعركة .. القوات تتجه شرقاً .. اليد تلتي بأختها .. ترتفع إلى السماء .. الشفاه تتمتم في همس يملاه الخشوع (( اللهم أنصرهم)) . يرتبك .. موجات من حزن تقلع إلى عينيه .. الشمس قادمة من هناك حيث المعارك خضبتها بالدم لتنحدر في بطء وراء المنازل العالية .. يخرج إلى الشرفة أشعل لفافة أخرى .. الليل عين ساهرة ترقب الفجر .. الناس أذن فوق المذياع أصبع فوق الخريطة.. الشمس تصنع الظل ، الهزيمة تصنع النصر .. الأم كتلة من مشاعر متباينة .. متناقضة .. فرح بالنصر .. خوف على الابن ترقب لعودته .. جزع يهزها لذهاب الأرض .. وليس لديها شيء.. سوى السماء نظرت إلى بيتها .. نور خافت .. { ما هي مشاعرها ؟ نحو حبيب يبني المستقبل بقطرات حمراء؟} . اليوم العشرون من أكتوبر .. المتطوعون يتدفقون .. يقف بينهم .. يستلم بندقيته .. رغم ذلك .. لا زال شعوره بالخذلان يحسه من وقت لآخر الوجوه الفرحة .. يعلوها الحزن من جديد .. النصر على أنفسنا لم يستمر رقم جديد نضيفه إلى مجموعتنا التاريخية من أرقام السنين السوداء والقرارات رقم جديد ليخلق منا صفراً . نعم نحن الأن مجرد صفر بين رقمين منتصبين أشبه بشاهدي قبر جديد . مع ذلك حمل بندقيته .. واتجه شرقاً.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *