خضراء

28 أكتوبر، 2011 | الخبز والصمت | 0 تعليقات

أحببت كثيراً .. تعذبت أكثر .. فالحب نوع من اللذات المؤلمة .. ليال كثيرة في الشتاء القارس أحاول أن أنظم قصيدة .. وفي ليالي الصيف كانت تواتيني الجرأة لكي أخرج ومعي ذلك {المشعاب} كأنه سيف عنتره وعبلتي السمراء تغط في نوم عميق نعم .. كان حبها فريداً رائعاً يجعلني أحس بالصفاء في الوجوه من حولي .. أشعر أن العافية تدب في كل شعيرة من

جسمي حينما تبتسم ..وتسود الدنيا في عيني عندما تمر دون القاء التحية .. تعبت وأنا أحاول اللقاء بها لكن دون جدوى .. استعملت كل الطرق .. اخترعت حيلاً لا تخطر على بال.خضراء .. خضراء .. ليست شجرة ولكنها حبيبتي .. وهكذا كانوا يسمونها .. وكنت أحس بنشوة غريبة . فهاقد أصبحت بطريق غير مباشر مثل شعراء القرية الذين لا يحلو لهم سوى التغني بالأخضر .. ولا أدري أهو ارتباط بهذه الجبال الخضراء .. الرائعة التي لا تمنحهم سوى متعة النظر واشعال النار .. واتخاذ السواك!!. خضراء لابد أن أقابلها .. وأفعل كما يفعل الأخرون .. ليلة من ليالي رمضان والسوق الكبيرة تمتلئ بنا .. نلعب .. نصرخ .. نضايق أهل المتاجر .. حتى يحين مدفع السحور . الظلام يحتضن كل شيء إلا تلك الأضواء القادمة من المتاجر. حلقة كبيرة اجتمع فيها شباب ضخام الأجساد يرتكزون على تلك المشاعيب ننظر إليها بهية .. فكأنها سيوف ذي يزن .. وأبي زيد الهلالي .. وخليفة الزناتي كنا نطرد في كل مرة .. لأننا صغار .. الفضول يستبد بنا وهم يدبرون أمراً . {ظافر} .. أحدهم كان صاحبي تركتهم وأنا أعرف أن الأخبار سوف تصلني وأسرار هذا الاجتماع سأطلع عليها بالكامل. عرفت فيما بعد . أنهم حصلوا على كتاب سحر .. جاء به أحدهم من مكان بعيد .. وهم سوف يحاولون أن يفيدوا منه .. صرخت في وجه صديقي : كتاب تافه . ثم أردفت والرغبة في المعرفة تأكل حلقي : ولكن ماذا يمكن أن يقرأ فيه . هل هناك أبطال غير عننترة .. وسيف بن زي يزن . التفت إلي وكأنه يخفي سراً ثم جذبني من أذني بقوة آلمتني وهمس بعد أن التفت يمنة ويسرة : تستطيع بواسطته أن تحضر الجن .. وتطلب ما تشاء .. أي شيء يخطر على بالك. –    أي شيء ؟ . وضحكت ضحكاً صادقاً صافياً وقلت له : –    أتدري ماذا أطلب ؟ هز رأسه مبتسماً .. قبل أن أتفوه بشيء : { عرفت أيها الذئب الأغبر تود مقابلة خضراء} وأشرقت عيناي .. فهذه نعمة لم أكن أنتظرها .. سألته : ولكن قل لي مع من الكتاب؟ وقال لي اسم صاحبه .. امتعضت فهو شرس لا يعيش إلا على أذية الناس وسرقة بساتينهم .. سجن أكثر من مرة .. يتيم . استولى زوج أمه على كل نقوده .. خلق منه وحشا ً.. ينتقم لذاته المهزومة. اليوم التالي .. ولأول مرة .. أحس بطول النهار .. ومكثت أرقب المذن لكي يصعد إلى أعلى المئذنة البيضاء .. يقف طويلاً .. ثم يخرج العلم الأحمر يلوح به .. وهناك في الجبل المقابل تندلع النار .. ويضرب مدفع الافطار .. ابتلعت حبة من تمر .. فنجاناً من القهوة .. صلاة المغرب .. وصلاة العشاء .. تسللت من صفوف المصلين. –    ظافر ماذا حدث ؟ اخذني بيدي وتحت زاوية بيت قديم .. همس : أذكر الله . أخذ الخوف يدب في أوصالي : – وافقوا . بصوت مبحوح : من هم ؟ –    الذين لا يذكرون . ازدادت دقات قلبي … خرجت .. إلى الضوء .. جرى مسرعاً ورائي .. –    ماذا بك ؟ خضراء التي يسعى إليها جميع الشبان .. ألا تريدها ؟ تجلس معها.. تحدثها .. بل تقبلها .. صورة حلوة .. أحلام لذيذة بلا وعي قلت له : ماذا تريدني أن أعمل ؟ –    كفك وعشرون ريالاً . فغرت فمي وأنا أصيح: عشرون ريالاً !!. هل أصابك مس ؟ لابد أن تأثيرهم قد وصل إلى عقلك . والدي { رجل العسة } الذي أصيب بالروماتيزم .. انحنى ظهره .. تصلبت يداه .. من تحسس الأقفال الباردة في كل ليلة .. يستلم مائة وعشرين ريالاً في الشهر .. وراءه ثمانية بطون .. أتعرف ذلك ؟ يعني ألسنة ثمانية كلها تلهج بمطلب واحدة .. أعطنا .. أعطنا.. وأنا في ليلة واحدة أعطيك عشرين ريالاً ؟؟ –    في أمان المولى . قفاه العريض .. يمحو كل أمل في مقابلتها .. صراخ بين الرغبة والواقع .. عاد فجأة .. وفرحت لعودته : هل لقيت حلا ً؟ وجهه مليء بالسخرية مني : أتعرف ماذا قال لي صاحب الكتاب؟ أنه حاول اختيار جنياً فقيراً مثلك .. أما البقية فهم يطلبون الذهب .. بل ويطلبون المشاركة في المزارع والبيوت . عشرون ريالاً .. دبرها من هنا أو هناك . ألم تقل بأنك قد وفرت ستة ريالات لتشتري بها كتاباً .. ازد عليها أربعة وسوف أقوم بالوساطة بينك وبينه وعسى أن يرضى. لا أدري لماذا واتتني روح السخرية فقلت : حتى الجن يقبلون الوساطة حسبت أنها وقف علينا بني البشر .. هيا ودعنا من الفلسفة .. فلسفة الكتب التي تقرأها . عدت مهموماً .. رأيت الكتب التي اشتريتها وأخذت منها كتابين كأنني بذلك أخون عهداً قطعته على نفسي .. بأن أكون مكتبة كبيرة أعرف بها الدنيا بين هذه الجبال التي لا أرى منها سوى زرقة السماء .. وسيارة البريد الوحيدة التي تصلنا بالعالم تحمل الأشواق والأخبار والمسافرين . في اليوم التالي .. بعت الكتابين .. بستة ريالات . –    خذ . هذه أحد عشر ريالاً . عشرة لصاحبك ثمناً للوصفة وريالاً ثمن أتعابك. ضحك : أبشر بكل خير .. الليلة بعد صلاة العشاء . الليالي حالكة الظلام .. المتاجر تتفنن في جلب الزبائن {الأتاريك} أضواء مشنوقة هناك وهناك. –    هذه الورقة .. تضعها تحت عتبة الباب .. بين المغرب والعشاء وهذه تضعها في كوب ماء ثم تشربها . لا تحاول أن تتردد . أغتنم الفرصة فهي فرصة العمر .. فرصة العمر. كان يحدثني بهذه العبارات .. وعيناه تلمعان في الظلام .. تم كل شيء .. تمنطقت بحزام .. وأخذت المشعاب .. تلثمت بالغترة الحمراء . لبست الثوب الأسود حتى لا أعرف .. أطرافي تبرد الرعدة تنتابني .. الاصرار يجذبني في غير وعي إلى دارها الوقت متأخر بعض الشيء .. أمها العجوز. لا بد أن تكون قد نامت .. لا خطر اذن هي التي ستفتح الباب . دائماً .. دائماً هكذا .. قالت لي أختي وهي تعطيهم اللبن في كل ليلة.. رائحة الغنم .. تهب من داخل البيت .. الليل يغرق في الصمت .. أكداس من ظلام تنتشر في كل زاوية .. الباب الكبير . من خشب العرعر .. طرقت الباب .. انتظرت .. لا وقت للكلام .. ولا وقت للرؤية .. الخوف والظلام .. الباب يفتح .. لم أكن ألمح شيئاً .. رائحتها تصل إلى حلقي .. أمسكت بها .. قبلتها.. أحسسن بأن فمي يغوص ولا شيء يصده . . ماهذا .. صحت على لطمة قوية فوق وجهي والباب يغلق واللعنات تنصب .. وأنا أضع طرف ثوبي في فمي وألوذ بالفرار . وصلت السوق .. والرعب يملؤني .. لقد نسيت شيئاً واحداً .. أن هذه الليلة {ليلة الحناء}. بمناسبة العيد .. وعرفت أن التي قبلتها لم تكن خضراء .. ولكنها .. أم خضراء ..

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *