غادر المدينة غراب أبيض اللون بعد أن طاف بها تسعا ًوفي العاشرة تماماً أعلن المذيع أن قافلة كبيرة من الجياع سوف تغزو المدينة .. وسأل طفل لم يبلغ السادسة بعد طفلة تلعب بجانبه في صالة المطار الكبيرة . متى نموت ؟؟ صاحت الطفلة في رعب غير ملامحها الطفولية فقد عض الطفل الصغير أصبعها وقالت بعد أن جففت دموعها بذيل ثوبها : وتموت من الشبع والامتلاء .
وقفت في هدوء وسكينة عربة خضراء ليهبط السائق في عجلة من أمره وكاد أن يقع مراراً ليلتف إلى الجانب الآخر من العربة ويفتح أحد الأبواب الأربعة عن ساق ناعمة بيضاء . ابتلع الجندي المصلوب على البوابة ريقه وقال في نفسه : لم أجد في السوق دهانا ًيصلح لكفي زوجتي ولم أجد في المخبز قرصا ًواحداً لي ولأولادي .. وسقط طائر غريب اللون فوق سطح العربة الخضراء وامتعضت السيدة البيضاء ..وصاحت في سائق العربة . عد إلى المنزل واستبدل العربة فأنا أتشاءم من موت طائر غريب عند قدمي. قافلة الجياع تقترب من المدينة . أوصدت الأبواب .. النوافذ المشرعة للريح والشموس أغلقت وانزرع الخوف في العيون وماتت في القلوب أنشودة الالفة الأبدية. استبدلت الرياح طريقها .. وغيرت من مسيرها الغيوم وانتشر الهلع يالبيت من يلد يعود من جديد لرحمه فالخروج بداية الرحلة العكسية للقبر مرة ثانية. غادر المدينة غراب أبيض اللون وطاف بها سبعاً وفي الثامنة دقت ساعة المستشفى ليعلن الطبيب عن ميعاد قدوم طفل ماتت أمه وعاش. احترق الحقل لتنبت بين الرماد زهرة صفراء تذبل مرة في كل عام . شهوة السؤال في الحلوق .. لكن اذن من يجيب يغتالها الصمم .. الجوع في اليدين والبطن ضامر والخيل لا تزال تذرع الدوائر .. تجول .. تصول دونما هدف .. ياليت من يعلم الطفولة الابتسام والصراخ .. ياليته ينزع الخوف من عيوني ويجعل الجياع يشبعون. غادر المدينة غراب أبيض اللون .. وطاف بها ثلاثاً وفي المرة الرابعة أعلن المذيع أن قافلة الجوع والضياع قد تم دحرها بقصيدة حولية وخطبتين فالجوع والألم نيبهما لوحدهم .. ربما عن قريب ..وربما عن بعيد ..وربما .. والغراب؟ شاب يا سادتي .. شاب في مدينتي الغراب .

0 تعليق