أرقام الأسماء

19 يوليو، 2011 | لذاكرة الوطن | 0 تعليقات

لفترة طويلة ممتدة في عمر هذا الزمان، والذي لا يقاس ببداية ونهاية إلا أن عمري هذا المحدود بأول «فغرة» لي في هذا الكون.. ولكي أكون أكثر دقة «صياحي» حين دلفت إلى هذه الدنيا، وهو بكاء لا أعرف هل هو حرقة على الخروج من ظلام البطن وحسرة عليه، أم أنه فزع من هذا الضياء الدامس الذي لن يكتشف إلا بعد ردح من الزمان؟

«شكلي بدأت أتفلسف» وأنا لا أتقن ذلك، لكن شعوراً رافقني طيلة حياتي بأني فلان ابن فلان الفلاني وأنتمي إلى أبوين من منطقتين مختلفتين ثم إلى منطقة أوسع ثم إلى بلد أوسع.. تعلمت وأحسست بقدرتي على أن أكون شخصاً مختلفاً عن والده وعن والدته، لكن ليس بالأفضل مكانة منهما، لكنه اختلاف العلم واختلاف الزمن الذي بدأ يرهقنا بالمعلومة تلو الأخرى حتى بالكاد يمكن لنا أن نلم بأطرافها أو نلاحق مستجداتها وهكذا هم ابنائي وبناتي بالتأكيد سوف يصلون إلى مرحلة تتجاوزني، بل وتتفوق عليّ علماً وإدراكاً وتقنية، وهنا أي «التقنية» هي مربط الفرس.. هذا العلم الذي يعتمد على الرقمية حتى في أبسط مجالاته، ويعتمد على علم يحوي كل علومنا القديمة في مجال مكاني يقاس بشكل مذهل. سؤال: هل أصابتكم دوخة من كلامي؟ أنا راعي هذا الكلام دخت والذي أريد الوصول إليه، ان هذا الركض العلمي البحت والذي هو يملك التأثير على الثقافة والفن والعلم وكافة نواحي الحياة أفقدنا تلك الهوية الأولى، الاسم، العائلة، المنطقة ورائحة الناس والقيم وحب الآخر أو المجموع أصبحت بقدرة قادر تمثل رقماً مثبتاً في شهادة الميلاد ثم رقماً في شهادتك الابتدائية يختلف عن رقمك في المتوسطة والثانوية والجامعية ثم التحقت بالوظيفة فإذا بك عبارة عن رقم يعتمد على رقم هويتك الوطنية، ثم بطاقتك العائلية، وربما رزقك الله فأودعت مبلغاً من المال فإذا بهم يمنحونك بطاقة للسحب برقم خاص بك ورقم سري لا يعرفه إلا أنت ويحذرونك من أن يعرفه حتى أقرب قريب، وكأن هؤلاء الأحباب لصوص يجب الخشية منهم.

أنت يا محمد بن علي بن محمد علوان التهامي الجنوبي والذي يقطن المملكة العربية السعودية لست سوى رقم من هذه الأرقام التي تكتب في الاحصاء وتكتب في الخطط السنوية أو الخمسية أو العشرية، ولكنك بدأت تتلاشى قليلاً، قليلاً حين يواجهك صديق جديد بعد أن يتعرف عليك فسوف يسألك ما رقم جوالك؟ ما رقم بريدك، هاهم الأصدقاء الذين نحبهم والأهل الذين نودهم لم يعد لهم في مخيلاتنا سوى هاجس قديم نستحضره بين آونة وأخرى، أصبحنا يا سادتي أرقاماً ولكن ذلك ليس عيباً، المؤلم أننا أضعنا اسماءنا وأصبحنا حقيقة مرعبة عبارة عن أرقام متحركة علىالأرض وثابتة في السجلات ..

وسلامتكم.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *