– يا أهل قرية ((الناعمة)) أفيقوا من نومكم .. وجذبت الغطاء تستر به جسدها .. وانسل من الطرف الآخر للفراش مليئاً بالعرق والخدر .. امتشق خنجراً .. وانتشله . الصوت من مقارنة بين الرجولة في موقعين مختلفين .. اثبات فيه القضاء .. لأن الطرفين مختلفان .. اثبات محدد لكنه مطلوب وصفق الباب فكانت الريح القادمة من الخارج كفيلة بتلبية رغبة الجسد الملقى . –
خرج الرجال من جحورهم .. يحملون النعاس والحذر .. وكان الوقت سحراً العيون تنبش وجوها ًخالية من كل تعبير خلو صحراء صيفية من نسمة باردة .. سألها ماذا حدث ؟ . ماذا يود هذا النائب المجنون ما هي أوامره الجديدة .مات عند غروب الشمس رجل وحيد . بعد عودة الرعاة والرعية .. مات قبل أن يشرب اللبن .. فقد اعتادت فتاة فقيرة أن تحلب البقرة العجفاء والمطرودة دوماً من كل الحقول . .. تظل مشتعلة باشتعاله .. فإذا انطفأ .. مات قبل أن يشري اللبن .. ما تعطيه الفتاة للرجل العجوز بقية حنان أبيض .. مات وسار إلى قبره امرأة عجوز وفتاة ضمخت ضفائرها بالطيب وغرست ريحانة خضراء .. وخلفهما بقرة عجفاء تخور. صاح الصائح .. يا أهل قرية ((الناعمة)) .. مشوه الوجه .. قبيح النظرات ينطق بلسان لا يملكه (( أتعرفون ما الذي حدث .. سقطت في البئر فرس النائب)). من نافذة صغيرة .. أخرجت يد معروقة خفاشا ً.. ضئيل الحجم غسلته .. ملأت عينيه بالكحل . وقبل أن تطلقه .. قبلت رأسه وقالت : الرحمة عليك . أيها الأب العزيز. جاءت الفئران .. من صوب البحر في ليلة انتحر فيها القمر وأكلت فيما أكلت كتاباً مخطوطاً يحكى تاريخ القرية شفاه سبعة من الحملان الصغير .. وقد كان .. خرجت الحملان من أمهاتها .. كل أم تترجرج مليئة بالحليب .. تكاد تسقط فوق الأرض .. أقمشة سوداء تكمم ضروعها الممتلئة. ضج الحاضرون بالضحك حين رأوا الحملان الصغيرة بلا شفاه .. صاحوا في صوت واحد : انها تضحك وبكى شاعر القرية .. فنبتت تحت قدمه شوكة كبيرة انغرزت في الاثداء المترهلة فانبجست دماً ليناً . صاح الصائح : ان الفرس تحتضر .. نحو البئر سارت قافلة الرعاة وخلفها الجمال والأغنام والأبقار .. سارت البهائم . سبعة حملان صغيرة بلا شفاه تخلفت وشاعر حزين .. وقف منتصباً بمفرده في وسط الساحة .. وغابت عيناه في حلم حلم .. حلم .. حين تقرع الطبول .. وتنزل النساء. ينثال من عيونهم الحب والفرح .. حين تزغرد العيون بالصدق والمحبة تبارك الأرض بالمطر والأشجار بالثمر . مثل تمثال الفارس مجهول غريب السحنة واللسان .. وقف الشاعر متحجراً الا من قلب ينبض فتبرق الدماء في العين والأظافر. وعادت البنادق .. في الموكب الجنائزي تحمل فوقها جثة ((فرس)) حبلى .. حزين أنت يا نائب القرية حزين لموت فرسك العزيزة . مازال الشاعر منغرساً كسؤال عنيد يحرث أقطار الأرض بحثاً عن اجابة ابتلعها جمل اكلته النسور .. وصاح : يا أهل قريتي : أريد أن نحاكم فئران البحر . أسدلت النساء أغطية كثيفة وزادت حدقاتهن اتساعاً .. بحثاً عن نور .. وترددت ضحكات هازئة ترتعش بين لحى كثيفة غبية: أتحاكم الفئران أيها المخبول ؟ .. في ثقة وهدوء : نعم نحاكم الفئران!! الموعد واياها .. الموعد واياكم .. حين تبزغ الشمس .. غداً . وكان الفجر .. اجتمعت الفئران سمينة .. تجري هنا وهناك . وفي خوف .. سحبت أم قدم طفلها الوحيد . أهل القرية جمهور متراكم . متطاول الأعناق .. والشاعر والفئران متهم وقضاة . .. انشد الشاعر الحزين رثاء سبعة من الشفاه .. رثاء أحرف الكتاب .. كتاب القرية القديم . – لماذا يا فرئران البحر . كتابنا والشفاه . – أنت من بينهم تدرك الأشياء .. أما هم أميون .. فأكل الكتاب والشفاه .. وبعدها.. لا اعتراض . – لقد كان الكتاب يحوي تاريخ قريتنا محدداً اسمها .. عنوانها. – ومن أجل هذا الهدف .. كان ما حدث ! وسرى الهمس .. ما اسمها . أول شيء أضعناه والبقية تأتي .. ما أسمنها ((الناعمة؟)) أم ((النائمة؟)). وانتشر الخوف في القلوب .. وأدرك الشاعر أنه نجح .. أنشد الشاعر رثاء أحرف الكتاب وسبع من الشفاه لكنه لم يذكر الفرس .. وقال الناس ربما يموت الشاعر . التفت رجل لوجه ترابي الملامح .. قال : خبرني أيهما أثمن الشاعر أم الفرس؟ قال الوجه وكان الجوع يفري بطنه : الخبز .. سيظل أثمن من كل الأشياء . فجأ .. تدحرج فوق الأرض .. رأس .. توقف الرأس فإذا به رأس الشاعر .. بينين مفتوحتين أغلقتهما قطرتان من مطر ..

0 تعليق